قصبة ملكه حتى جعل بابل عاصمة الشرق الأدنى كله بلا منازع، وأكبر عواصم العالم القديم وأعظمها أبهة وفخامة (16). وكان نبوبولصر قد وضع الخطط لإعادة بناء المدينة، فلما جاء نبوخد نصر صرف سني حكمه الطويل التي بلغت ثلاثاً وأربعين في إتمام ما شرع فيه سلفه. وقد وصف هيرودوت بابل، وكان قد زارها بعد قرن ونصف من ذلك الوقت، بأنها "مقامة في سهل فسيح، يحيط بها سور طوله ستة وخمسون ميلاً (17) ويبلغ عرضه حداً تستطيع معه عربة تجرها أربعة جياد أن تجري في أعلاه، ويضم مساحة تقرب من مائتي ميل مربع" (?). وكان يجري في وسط المدينة نهر الفرات يحف بشاطئيه النخيل وتنتقل فيه المتاجر رائحة غادية بلا انقطاع، ويصل شطريها جسر جميل (?). وكانت المباني الكبيرة كلها تقريبا من الآجر، وذلك لندرة الحجر في أرض الجزيرة، ولكن هذا الآجر كان يغطى في كثير من الأحيان بالقرميد المنقوش البرَّاق ذي اللون الأزرق أو الأصفر أو الأبيض المزيّن بصور الحيوان أو غيره من الصور البارزة المصقولة اللامعة، ولا تزال تلك الصور حتى هذه الأيام من أحسن ما أخرجته الصناعة من نوعها. وكل آجرة من الآجر الذي استخرج من موقع بابل القديم تحمل هذا النقش الذي يتباهى به الملك الفخور: "أنا نبوخد نصر ملك بابل" (21).
وكان أولَ ما يشاهده القادم إلى المدينة- صرح شامخ كالجبل يعلوه برج عظيم مدرج من سبع طبقات، جدرانه من القرميد المنقوش البرَّاق، يبلغ ارتفاعه 650 قدماً، فوق ضريح يحتوي على مائدة كبيرة من الذهب المصمت