وفي القرن العشرين، حيث تسرع السيادة الأوروبية إلى الانهيار، فإن الأمر يبدو وكأنه صراع شامل بين الشرق والغرب. وهنا نرى التعصب الأعمى الذي ساد كتابتنا التقليدية للتاريخ، التي تبدأ رواية التاريخ الحضاري للبشرية من اليونان وتلخص آسيا كلها في سطر واحد؛ لم تعد غلطة علمية، بل كان إخفاقاً ذريعاً في تصوير الواقع، ونقصاً فاضحاً في ذكائنا. إن المستقبل يولي وجهه شطر المحيط الهادي، فلا بد للعق أن يتابع خطاه".
ولقد نقلت هذه الفقرة الطويلة، من مقدمة المؤلف لأهميتها، ولأنها تعبر عن اتجاهه الفكري، ومنهجه العلمي.
هذا، ولقد استعان المؤلف في كتابته عن الحضارة العربية، بما تيسر له من المراجع المترجمة إلى اللغات الأوروبية، وهي مع قلتها، لا تسلم من الآفات، سواء من حيث اختيار تلك المراجع أو من حيث مستوى الترجمة التي تختلف من يد إلى يد، ضيقاً، سعة، دقة وتصرفاً؛ ولقد كان حسن رأيه في هذه الحضارة، وسلامة اتجاهه نحوها، في كل حين، عصمة له من الآراء المألوفة التي يرددها الكاتبون في هذا المجال ...
ولقد ألقى هذا الوضع مسؤولية كبيرة، على المترجمين العرب، الذين هم، في الوقت نفسه، من كبار الأساتذة والمثقفين، فعمدوا إلى مراجعة النصوص وتوثيقها، وإلى ردها إلى أصولها، كما تصدوا بالتصحيح، لكل ما يبعد عن الحقيقة، فلم يكن هذا العمل في جوهره ترجمة من لغة إلى لغة فحسب، ولكنه كان عملاً فكرياً مستقلاً، وتعاملاً بصيراً مع المادة تصحيحاً وتوضيحاً. ويكفي أن يكون بين هؤلاء الأستاذ الكبير الدكتور زكي نجيب محمود الفيلسوف العربي، والأستاذ محمد بدران، والكتور عبد الحميد يونس، والأستاذ علي أدهم، والأستاذ فؤاد أندوراس، من أعلام الثقافة، الذين أدوا خدمة جليلة للفكر العربي، في تواصله مع الفكر العالمي.