الباب الرابع والعشرون
الفصل الأول
كان خليقاً بمصر أن تكون أسعد بلدان الأرض قاطبة، لأن النيل يرويها ويغذّيها، ولأنها أكثر بلاد البحر الأبيض المتوسط قدرة على الإكتفاء بخيراتها- فهي غنية بالحب والفاكهة، وتنتج أرضها ثلاث غلات في العام، ولم يكُن يعلو عليها بَلَد آخر في صناعاتها، وكانت تصدّر الغلات والمصنوعات إلى مائة قطر وقطر، وقلما كان يزعجها ويقلق بالها حرب خارجية أو أهلية. ولكن يبدو أن "المصريين" برغم هذه الأسباب- أو لعلّهم لهذه الأسباب- "لم نعموا بالحرية يوماً واحداً في تاريخهم كلهم" (1) على حد قول يوسفوس. ذلك أن ثروتهم كانت تغري بهم الطغاة أو الفاتحين واحداً في إثر واحد مدى خمسين قرناً من الزمان كانوا فيها يستسلمون لأولئك الطغاة والفاتحين (?).