قصه الحضاره (صفحة 3732)

الفصل السادس

كمودس

ولما أقبل ضابط الحرس يسأل ماركس وهو على فراش الموت عن كلمة السر لذلك اليوم أجابه بقوله: "إذهب إلى الشمس المشرقة؛ أما شمسي فهي غاربة". وكانت الشمس المشرقة وقتئذ في التاسعة عشرة من العمر، وكانت هي فتى متين البنية قوي الجسم، جريئاً، لا يصده شيء عما يريد، وليس له وازع من خلق أو خوف. ولقد كان الإنسان يتوقع أن يرى فيه أكثر مما يرى في ماركس، القديس العليل، وأن يراه أكثر مما يراه ماركس ينهج سياسة الحرب إلى النصر أو الموت. لكن الذي حدث أنه عرض من فوره الصلح إلى الأعداء. وكان ما عرضه من الشروط أن ينسحبوا من الأراضي المجاورة لنهر الدانوب، وأن يسلموا معظم أسلحتهم، ويعيدوا جميع الأسرى والفارين من الرومان، وأن يؤدوا إلى رومة جزية سنوية من الحبوب، وأن يقنعوا ثلاثة عشر ألفاً من جنودهم بالتطوع في الفيالق الرومانية (66). ولامته رومة كلها على فعلته هذه ما عدا الشعب. فأما قواده فقد استشاطوا غضباً لأنه سمح للفريسة الواقعة في الشرك أن تفلت منه لتقاتلهم مرة أخرى. على أن قبائل أراضي الدانوب لم تسبب قط متاعب للإمبراطورية في عهد كمودس.

والحق أن الزعيم الشاب، وإن لم يكن جباناً خوار العود، كان قد شهد كفايته من الحروب، وكان في حاجة إلى السلم ليستمتع بالحياة في رومة. فلما عاد إلى عاصمة ملكه انتهر مجلس الشيوخ، وأثقل العامة بالعطايا التي لم يعهدوا مثلها من قبل- فوهب كل مواطن 725 ديناراً. ولما لم يجد في السياسة ميداناً يظهر فيه شدة بأسه عمد إلى صيد الوحوش في الضياع الإمبراطورية، وبرع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015