حصناً محرراً من الشهوات الجسمية، والغضب، والحقد؛ ويجب أن يكون منهمكاً في عمله انهماكاً لا يكاد يلاحظ معه تقلبات الحظوظ أو سهام العداوات. "إن قيمة كل إنسان تعدل بالضبط قيمة ما يشغل به نفسه من الأشياء" (57). وهو يسلم كارهاً بأن في هذا العالم أشراراً، ويقول إن الطريقة التي يجب أن يتبعها الإنسان معهم هي أن يذكر أنهم أيضاً رجال، وأنهم الضحايا العاجزون لأخطائهم التي ارتكبوها مدفوعين بجبرية الحوادث والظروف (58). "وإذا أساء إليك إنسان، فالضرر واقع عليه، ومن واجبك أن تعفو عنه" (59). وإذا أحزنك وجود الأشرار من الناس، ففكر في العدد الكثير من الأخبار الذين إلتقيت بهم، وفيما يمتزج في الأخلاق غير الكاملة من فضائل كثيرة (60). والناس كلهم إخوة، أخياراً كانوا أو أشراراً، وكلهم أبناء الله ينتسبون إليه، والهمجي البشع نفسه مواطن في الوطن العام الذي ننتمي كلنا له. "فأنا بوصفي أورليوس تكون رومة وطني، وبوصفي رجلاً يكون وطني هو العالم كله" (61). ترى هل هذه فلسفة خيالية غير عملية؟ كلا، إن الأمر على عكس هذا تماماً ولا شيء أقوى أو أشد متعة من الفطرة الطيبة، إذا لازمها الاخلاص (62). إن الرجل الصالح حقاً لا تؤثر فيه مصائب الدهر، ومهما يصبه من الشر لا يسلبه نفسه:
"هل هذا (الشر) الذي أصابك يمنعك أن تكون عادلاً، كريماً، معتدلاً، حصيف الرأي ... متواضعاً، حراً؟ ... ولنفرض أن الناس قد لعنوك، أو قتلوك، أو مزقوك إرباً! فماذا تستطيع هذه الأشياء أن تفعل لتمنع عقلك أن يبقى طاهراً، حكيماً، متزناً، عادلاً؟ وإذا وقف الإنسان بجوار نبع رائق صاف ولعنه، فإن النبع لا يقف عن إرسال الماء النظيف، وإذا دنه أو رمى فيه الأقذار، فسرعان ما يلقى بها إلى خارجها ولا يتدنس بها مرةً أخرى ... ولا تنس كلما أصابتك كارثة أن تطبق هذا المبدأ القائل: إن ذلك ليس شقاء حل بك، بل إن الصبر عليه صبر الكرام هو