المثول بين يديه. ولم يتأثر بما كان باقياً من المفاتن في امرأة محطمة مهزومة في التاسعة والثلاثين من عمرها، وعرض عليها شروطاً للصلح بدت معها الحياة عديمة القيمة لمن كانت من قبل ملكة. ولم يخالجها شك في أنه يعتزم أخذها أسيرة إلى رومه لتزين موكب نصره، فما كان منها إلا أن لبست ثيابها الملكية، ووضعت صلا على صدرها، وماتت. وحذت حذوها وصيفتاها شارميون Charmion وإيريس Iris فانتحرتا (17).
وسمح أكتافيان أن تدفن إلى جوار أنطونيوس، وقتل هو وقيصريون وأكبر أبناء أنطونيوس من فلفيا أما ابنا أنطونيوس والملكة فقد أبقى على حياتهما وأرسلهما إلى إيطاليا حيث ربتهما أكتافيا وعنيت بهما كما لو كان ابنيها. ووجد الظافر الخزانة المصرية سليمة وفيها من المال الموفور ما كان يحلم به. ونجت مصر من المذلة التي كادت تلحق بها لو أنها سميت ولاية رومانية. ذلك أن كل ما فعله أكتافيان أن جلس على عرش البطالمة وورث أملاكهم، وترك في مصر حاكماً يدير شؤون البلاد باسمه.
وهكذا غلب وريث قيصر وريثة الإسكندر، وضم مُلك الإسكندر إلى مُلكه، وانتصر الغرب على الشرق مرة أخرى، كما انتصر من قبل في مراثون ومجنيزيا، وإنتهى صراع الجبابرة، وكان الفوز فيه لرجل عليل.
وقُضِيَ على الثورة في أكتيوم، كما قضي على الجمهورية في فرسالس وأتمت رومه الدورة المشتومة التي يعرفها أفلاطون ونعرفها نحن: ملكية، فأرستقراطية، فاستغلال ألجركي، فديمقراطية، ففوضى ثورية، فدكتاتورية. وانتهى مرة أخرى، في جزر التاريخ ومده، عهد من عهود الحرية، وبدأ عهد من عهود النظام.