نظير هذا كانت تحميها من أعدائها عسكريًا، وتمنحها استقلالاً ذاتيًا محليًا، واستقرارًا اقتصاديًا. وفي وسعنا أن نقدر ما كان لهذه البلاد الخاضعة لقرطاجنة من ثراء إذا عرفنا أن واحدة منها هي لبتس الصغرى Leptis Minor كانت تؤدي إلى خزانة قرطاجنة 365 وزنة (أي ما يعادل 1. 314. 000 ريال أمريكي من نقود هذه الأيام).
واستغلت قرطاجنة هذه الإمبراطورية استغلالاً جعلها في القرن الثالث قبل الميلاد أكثر مدائن البحر الأبيض المتوسط ثراء، فقد كان يدخلها كل عام من الضرائب الجمركية ومن الخراج نحو 12. 000 تالنت أي قدر ما كان يدخل في خزائن أثينا أيام مجدها عشرين مرة. وكان سراتها يسكنون القصور ويلبسون الملابس الغالية الثمن ويطمعون الأطعمة الشهية يأتون بها من خارج بلادهم. وازدحمت المدينة بسكانها البالغ عددهم ربع مليون نسمة واشتهرت بما أقيم فيها من الهياكل الفخمة والحمامات العامة، ولكن أكثر ما كانت تشتهر به الأمينة وأحواضها الواسعة. وكان في مقابل كل حوض من أحواضها البالغة 220 حوضًا عمودان أيونيان Ionic؛ ومن ثم أضحى الميناء الداخلي ذا الشكل مستدير فخم يحيط به 440 عمودًا. وكان يوصل هذا الميناء بالسوق العامة طريق واسع به ميدان ذو عمد، تزينه تماثيل يونانية، وتقوم على جانبيه الأبنية المحتوية على المصالح الحكومية، والمكاتب التجارية، ودور القضاء والعبادة. أما الشوارع التي تجاور هذا الطريق، فكانت ضيقة كمعظم شوارع البلاد الشرقية، وكانت ملئ بالحوانيت التي تقوم فيها الصناعات المختلفة وتعقد فيها آلاف الصفقات التجارية. وكانت بيوتها ترتفع في الجو إلى ستة أطباق؛ وكثيرًا ما كانت الحجرة الواحدة تضم أسرة بأكملها. وكان في وسط المدينة ربوة عالية أو قلعة- كانت هي وغيرها من المعالم مما أوحى إلى الرومان بالصورة التي أقاموا عليها مدينتهم- تسمى "البورصة" رضي الله عنهyrsa، وتضم بيت المال، ومضرب