قصه الحضاره (صفحة 2658)

كلهم إذا جاء دورهم في تصريف شؤون الحكومة، وإن هذه الجزيرة لم يكن فيها غنى ولا فقر، ولا حرب بين الطبقات، وإن الطبيعة تنتج فيها الفاكهة موفورة بلا حاجة إلى جهد، وإن الناس يعيشون فيها متآخين متحابين (20).

وأممت بعض الحكومات عدداً من الصناعات: فاستولت حكومة برييني على مصانع الملح، وأممت ميليطس مصانع النسيج، ورودس ونيدس مصانع الفخار؛ ولكن الحكومات لم تؤدي للعمال أجوراً أعلى مما يؤديه أصحاب الأعمال الشحيحون، وكانوا يمتصون من كدح عبيدهم كل مل يستطيعون امتصاصه من المكاسب. واتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء (21)، وأضحت حرب الطبقات أشد مرارة مما كانت قبل؛ فأخذت كل مدينة قديمة كانت أو حديثة تردد أصداء كراهية الطبقات بعضها لبعض، وكانت هذه الكراهية تتمثل في الفتن، والمذابح، وأعمال القمع، والنفي، والقضاء على الأنفس والثمرات. فإذا ما انتصر فيها حزب طرد الحزب الآخر وصادر أملاكه؛ فإذا عاد إلى المنفيين سلطانهم ثأروا لأنفسهم مثل هذا الثأر وقتلوا أعداءهم، ألا فليتصور القارئ أي استقرار يمكن أن يتاح لنظام اقتصادي يتعرض لأمثال هذه الاضطرابات والهزات العنيفة. وقد وصل ما حل من الخراب ببعض المدن اليونانية القديمة من جراء النزاع بين الطبقات إلى درجة أن هجرتها الصناعات وفر منها الناس، وأن نمت الأعشاب في شوارعها وأقبلت عليها الماشية ترعاها (22). وكتب بولبيوس حوالي عام 150 ق. م يصف بعض مظاهر هذه الحرب كما يراها رجل محافظ ثري:

"ولما أن هيئوا (أي الزعماء المتطرفون) نفوس العامة إلى الجشع والرشوة، قُضي على ما في الديمقراطية من فضيلة، واستحالت حكم العنف والاستبداد. ذلك أنه إذا اعتادت الغوغاء أن تطعم على حساب غيرها، وأن تُبعَث فيها الآمال بأن تعيش من مال جيرانها، ثم وجدت زعيماً أوتي قدراً كافياً من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015