جنوده أبوا أن يتقدموا خطوة واحدة. فحاول إقناعهم، وقضى ثلاثة أيام متجهماً في خيمته كما فعل جده أخيل من قبل؛ ولكن ذلك لم يجده نفعاً لأن جنوده قد سئموا القتال، فعاد أدراجه مكتئباً حزيناً، كارهاً أن يواجه الغرب مرة أخرى. وشق طريقه وسط قبائل معادية له، بشجاعة لم يسع جنده حين شهدوها إلا أن يبكوا لعجزهم عن تحقيق جميع أحلامه.
وكان هو أول من تسلق أسوار ماليا Mallia؛ وبعد أن قفز هو واثنان من جنده إلى داخل المدينة، تحطم السلم الذي صعدوا عليه، ووجد هو وزميلاه أنفسهم يحيط بهم الأعداء من كل جانب. وحارب الإسكندر حتى سقط على الأرض مثخناً بالجراح، وكان جنوده في هذه الأثناء قد اقتحموا أسوار المدينة، وأخذوا واحداً بعد واحد يضحون بحياتهم دفاعاً عن مليكهم الملقى على الأرض. فلما انتهت المعركة، حُمل الإسكندر إلى خيمته، والجند يقبلون ثيابه وهو مار بهم. وبعد أن قضى ثلاثة أشهر في دور النقاهة بدأ الزحف من جديد بمحاذاة نهر السند حتى وصل آخر الأمر إلى المحيط الهندي. ومن هنا أرسل قسماً من جيوشه بطريق البحر إلى بلاده بقيادة نيارخوس Nearchus، واستطاع هذا القائد الماهر أن يقوم بهذه الرحلة بعد أن اخترق بحاراً لا عهد له بها. وقاد الإسكندر بنفسه بقية الجيش متجهاً به نحو الشمال الغربي بمحاذاة ساحل الهند، ومخترقاً صحراء جدروسيا Gedrosia ( بلوخستان)؛ وقاسى جنوده فيها ما قاسته جنود نابليون في أثناء ارتدادهم من موسكو، فقد آلاف منهم من شدة الحر، وهلك من العطش أكثر من هؤلاء؛ ثم وجدوا قليلاً من الماء، وجيء به إلى الإسكندر، فصبه متعمداً على الأرض (28). ووصلت فلول جيشه إلى السوس بعد أن قتل منهم عشرة آلاف، واختلت موازين عقل الإسكندر نفسه من كثرة ما لاقاه من الأهوال.