قصه الحضاره (صفحة 2565)

الحوار أحاديث سقراط التي كانت تدور في حانته (74). وكانت المحاورات كما أوردها أفلاطون قطعة أدبية لا تاريخية؛ وهو لا يدعي أنه ينقل لنا نصاً دقيقاً للأحاديث التي كانت تجري قبل أن يكتبها بثلاثين عاماً أو خمسين، بل ولا يدعي أنه يحرص على أن يكون ما فيها من إشارات منسقاً غير متناقض بعضه مع بعض. وذهل غورغياس كما ذهل سقراط حين سمعا الألفاظ التي أنطقهما بها الفيلسوف المسرحي (75). وقد كتبت المحاورات مستقلة كل منها عن الأخرى، ولعلها كتبت في فترات متباعدة تباعداً طويلاً، وليس من حقنا أكثر من هذا أن نرتاع لما فيها من آراء متناقضة. وليس ثمة خطة موضوعة للتأليف بينها كلها وجعلها وحدة منسقة، اللهم إلا البحث المتواصل الذي يقوم به عقل ينمو ويتطور تطوراً واضحاً ملموساً عن الحقيقة التي لا يستطيع الحصول عليها أبداً (?).

والمحاورات مركبة بمهارة وإن كانت لا ترقى إلى الدرجة الوسطى. وهي تصور الأفكار تصويراً مسرحياً، وترسم صورة منسقة لسقراط تدل على حب أفلاطون الشديد له؛ ولكنها قلما تدل على وحدة الأفكار أو تسلسلها، وكثيراً ما تنتقل من موضوع إلى موضوع وتسئم القارئ في كثير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015