قصه الحضاره (صفحة 2424)

ويبحث عن الأسباب الطبيعية للحوادث، ويوازن بين شخصيات ديونيشس وأوزيريس، وأساطيرهما موازنة العالم المحقق؛ ويبتسم ابتسامة المتسامح مما يروي عن تدخل الآلهة في حوادث العالم، ويعرض لتفسيرها أسباباً طبيعية (144)؛ ويكشف لنا عن خطته العامة ويغمز بطرف عينه حين يقول: "إني مضطر إلى أن أقص ما ينقل إليّ، ولكني غير ملزم بتصديقه، وأحب أن يصدق هذا القول على كل قصة أرويها في هذا التاريخ" (145)، وهو أول من وصلت إلينا مؤلفاتهم من المؤرخين اليونان، وعلى هذا الاعتبار لا نلوم شيشرون على وصفه إياه بأنه أبو التاريخ. ويضعه لوشيان، كما يضعه معظم الأقدمين، في منزلة أرقى من منزلة توكيديدز (146).

ومع هذا كله فإن الفرق بين عقل هيرودوت وعقل توكيديدز كالفرق بين المراهقة والنضوج، ذلك أن توكيديدز ظاهرة من ظواهر عصر الاستنارة اليوناني، وهو من سلالة السوفسطائيين، كما كان جبن من الناحية الروحية من سلالة بايل رضي الله عنهayle وفولتير. وكان والده من أثرياء الأثينيين يمتلك مناجم للذهب في تراقية، وكانت أمه تراقية من أسرة عريقة. وقد تلقى كل ما كان في أثينة في أيامه من تعليم، ونشأ في جو التشكك الفلسفي، ولما شبت نار حرب البلوبونيز أخذ يسجل حوادثها يوماً فيوماً، ثم مرض بالطاعون في عام 430، وفي عام 424 اختير وهو في سن السادسة والثلاثين (أو الأربعين) أحد قائدين توليا قيادة حملة بحرية سيرت إلى تراقية، ولما أن عجز عن قيادة قواته إلى أمفبوليس صلى الله عليه وسلمmphipolis ليفك عنها الحصار في الوقت المناسب - نفاه الأثينيون، فقضى العشرين سنة التالية من عمره يتنقل من بلد إلى بلد وخاصة في إقليم البلوبونيز. وإلى هذا العلم المباشر بأحوال العدو يرجع بعض ما يمتاز به كتابه من نزاهة ذات أثر كبير في النفس. ولما شبت الثورة الألجركية في عام 404 انتهى أجل نفيه فعاد إلى أثينة. ومات - ويقول بعضهم إنه اغتيل - في عام 396 أو قبله قبل أن يتم تاريخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015