الفصل الأول
ثقافة السوس - عجلة الفخارى - عجلات المركبات
إذ نظر القارئ إلى مصور لبلاد إيران ومر بإصبعه على نهر دجلة-مبتدئا من الخليج الفارسي حتى يصل إلى العمارة، ثم اتجه به شرقاً مخترقاً حدود العراق إلى مدينة شوشان الحديثة، إذا فعل هذا فقد حدد لنفسه موقع مدينة السوس القديمة- التي كانت فيما مضى مركز إقليم يسميه اليهود بلاد عيلام- أي الأرض العالية. في هذا الصقع الضيق الذي تحميه من غربة المنافع ومن شرقه الجبال الحافة بهضبة إيران العظيمة، أنشأ شعب من الشعوب لا نعرف أصله ولا الجنس الذي ينتمي إليه إحدى المدنيات الأولى المعروفة في تاريخ العالم. وقد وجد علماء الآثار الفرنسيون في هذا الإقليم منذ جيل مضى آثاراً بشرية يرجع عهدها إلى عشرين ألف عام، كما وجدوا شواهد تدل على قيام ثقافة راقية يرجع عهدها إلى عام 4500 ق. م (?).
ويبدو أن أهل عيلام كانوا في ذلك الوقت قد خرجوا من الحياة البدوية، حياة صيد الحيوان والسمك، ولكنهم كانت لهم وقتئذٍ أسلحة وأدوات من النحاس، وكانوا يزرعون الحبوب ويؤنسون الحيوان، وكانت لهم كتابة مقدسة ووثائق تجارية، ومرايا وحلي، وتجارة تمتد من مصر إلى الهند (3). ونجد بين أدوات الظران المسواة التي ترجع بنا إلى العصر الحجري الجديد مزهريات كاملة الصنع رشيقة مستديرة عليها رسوم أنيقة من أشكال هندسية أو صور جميلة تمثل الحيوان والنبات، تعد بعضها ما صنعه الإنسان في عهود التاريخ