الباب الثاني
الفصل الأول
في عام 1822 ولد في ألمانيا صبي قدر له أن يكتب بمعوله صفحة من أروع الصفحات على الآثار في القرن التاسع عشر. وكان والده مولعاً بالتاريخ القديم، وقد نشأه على حب قصص هومر عن حصان طروادة، وتجوال أوديسيوس، "ولشد ما كان يحزنني أن أسمع منه أن طروادة قد دمرت عن آخرها تدميراً تاماً، وأنها محيت من الوجود دون أن تخلف وراءها أثراً يدل عليها" (2). ولما بلغ هنريخ شليمان الثامنة من عمره وفكر في الأمر تفكيراً أوفى من تفكيره الأول، أعلن أنه سيهب حياته للكشف عن المدينة المفقودة؛ وفي العاشرة من عمره عرض على أبيه قصة لاتينية عن حرب طروادة. وفي عام 1836 غادر المدرسة بعد أن حصّل فيها علماً أرقى مما تطيقه موارده، واشتغل صبياً عند بدال، وفي عام 1841 خرج من همبرج خادماً على ظهر سفينة تجارية مسافرة إلى أمريكا الجنوبية، وبعد اثني عشر يوماً من مغادرة السفينة الميناء غرقت، وظل بحارتها تسع ساعات في قارب صغير تتقاذفهم الأمواج حتى ألقت بهم على سواحل هولندة. واشتغل هنريخ كاتباً، وكان يكسب من عمله مائة وخمسين ريالاً أمريكياً في العام، ينفق نصفها في شراء الكتب ويعيش على نصفها الآخر وعلى أحلامه،