وشجعته مهارته الحربية على شن الحرب لذا فقد كان سيفاً مصلتاً لا على توازن القوى المطلوب لتحقيق السلام فحسب وإنما على النظام السياسي الأوربي كله، وأدت غرامات الحرب الباهظة التي فرضها بعد انتصاراته إلى أن أصبحت الحكومات المهزومة غير قادرة على تمويل أية حركة مقاومة لحلمه الخيالي، ألا وهو توحيد كل أوربا تحت السيادة الفرنسية وفي ظل قوانين المدوّنة القانونية النابليونية، فاضطرت هذه الحكومات المهزومة إلى أن تقبل راضية الإعانات المالية التي قدّمتها لها الحكومة البريطانية·
وكان الاستيلاء على المستعمرات الفرنسية كوسيلة لإعادة فرنسا إلى وعيها متفقاً مع ما جرى عليه العرف بين الحكومات في حروب القرن الثامن عشر· أكان يمكن لحكومات كاثوليكية - كحكومة النمسا - أن تكون في ظل ملحد لا يخفي إلحاده (المقصود معاد للكاثوليكية) كان قد اضطهد بقسوة البابا الذي مسحه بالزيت (كرّسه) والذي لا يملك سلاحاً سوى تقواه؟ وقد عامل الحلفاء نابليون بكرم بعد تنازله عن العرش للمرة الأولى إلا أنه بمغادرته إلبا نقض الاتفاق فأجبر أوربا على إنفاق الملايين من عوائدها والآلاف من أرواح أبنائها لقمعه وأسره، واكتفت إنجلترا وحلفاؤها بعزله بعيداً من مكان يستحيل معه أن ينطلق مرة أخرى لتحطيم السلام في أوربا·
قلما تكون الحقيقة بسيطة، فغالباً ما يكون لها يد يمنى وأخرى يسرى وغالباً ما تمشي على قدمين· أكان هناك - منذ أشوكا صلى الله عليه وسلمshoka - حرب كبرى قدمت فيها أمّة واحدة لقضية أعدائها حلا عادلاً عدالة كاملة؟ يوجد جانب في طبيعة المواطن يجعله يؤمن بأن الله شريك في حروب بلاده· (يحارب في صف بلاده) · ليست هناك دولة مهما كبرت ومهما قوت يمكنها أن تحل المشكلة لأن بعض حروبنا الكبرى ذوات أبعاد غير حربية (مدنية) · إن أفضل سبيل نأمل تحقيقها هو أن نحث مزيدا من الرجال والنساء على تقديم نزاعاتهم إلى محكمة دولية أو عصبة أمم دولية، لكن يجب ألاّ نتوقَّع أن تقدِّم أمة للتحكيم ما تعتبره مسألة حياة أو موت· فالحفاظ على النفس يظل هو القانون الأساسي للحياة·