وذهب قاصدا اليونان في سنة 1797 ومعه صندوق ملئ بالمنشورات فتم القبض عليه في تريست وأعدم في بلجراد· وتم تكوين جمعية hetairia أخرى في أوديسا Odessa امتدت في سائر بلاد اليونان وشاركت في تهيئة اليونان للثورة· وكرس كوريز Koraes (1748 - 1833) العنيد نفسه لتنقية لغة الحديث اليونانية ليجعلها أقرب ما تكون إلى اليونانية القديمة· وكوريز هذا يوناني من سميرنا Smyrna استقر في باريس في سنة 1788، وقد ابتهج لقيام الثورة الفرنسية وراح ينشر المنشورات وينشد القصائد التي لم يكن يعزوها لنفسه (جعلها مجهولة المؤلف) كما راح يطبع التراث اليوناني الكلاسيكي، فنشر بذلك الأفكار الجمهورية والأفكار المناهضة للكنيسة - رغم أنه حذر من أن الثورة قد تكون مبتسرة (أي أتت قبل الأوان) · كانت جهوده هذه في سنة 1821 ولم تأت سنة 1830 إلا وكانت اليونان حرة·
ولم تكن الحكومة التركية في ظل ظروف العصر والموقع أكثر جورا بشكل واضح - من حكومات أوربا قبل سنة 1800· لقد صدم بايرون (21 مايو 1810) وهو يرى رؤوس المجرمين المقطوعة معلقة على جانبي بوابة سيراجليو Seraglio لكن لابد أن نسلم بأن، ما جزته مقصلة الحكومة الثورية الفرنسية من رؤوس الرجال والنساء كان أكثر من الرؤوس التي أمر السلاطين العثمانيون بقطعها في أي فترة زمنية مساوية لفترة الحكومة الثورية الفرنسية·
وكانت الثروة مركزة في يد قلة كما هو عليه الحال في كل مكان (أي أن ذلك لم يكن قصرا على الدولة العثمانية) وكان الأتراك (العثمانيون) أهل فلسفة وشعر كما كانوا أهل حرب، وهم يؤمنون بالقضاء والقدر خيره وشره من الله، لن يغيره تذمرهم، ويعتبرون المرأة المهذبة المعطرة أثمن من أي شيء خلا الذهب، ويؤثرون تعدد الزوجات إن استطاعوا مئونة ذلك، فلم لا يكونون أقدر سلالة؟ ولم يكونوا في حاجة للعاهرات إلا قليلا، وإنما كانت مواخيرهم يرتادها المسيحيون، وكان الترك (العثمانيون) لا يزالون ينتجون أدباً وفنا، فكثر الشعراء وتألقت المساجد وربما كانت إسطنبول هي أجمل مدن أوربا في سنة 1800·