وقد أضيفت الآن الثورة إلى حركة التنوير الفخورة المتحررة لقد ذابت التقسيمات الطبقية، فأولئك اللوردات الذين كانوا ذات يوم يصدرون القوانين وينتزعون الطاعة أصبحوا الآن يسارعون إلى الهرب· فلم يعد هناك حاجز بين الطبقات، ولم يعد هناك غول من الموروثات والتقاليد يساند القوانين· الآن أصبح في استطاعة أي فرد أن يكمل طريقه ليصل إلى أي وضع وأي سلطة، وله أن يختار الطريق إلى المقصلة· لقد فتح الطريق أمام أصحاب المواهب وأصحاب المخالب· لم يحدث أبدا في تاريخ الحضارة المعروف أن كان الإنسان على هذا القدر من الحرية - حرية أن يختار عمله ومشروعه ورفيقه وزوجه (أو زوجته) ودينه وحكومته ونظامه الأخلاقي·
وإذا خلت الساحة إلا من كيانات الأفراد فماذا بقي للدولة (ككيان) والكنيسة والجيش والجامعة؟ لن يبقى إذن سوى مؤامرات أفراد يتمتعون بمزايا خاصة للإرهاب والهمجية، ولتشكيل الأمور وفسخها، ولفرض الضرائب وتسيير أمور الحكم، وليسوقوا الباقين إلى المذابح؟ وقلما تستطيع عبقرية أن تحقق إنجازاً في ظل هذه القيود، ثم أليست عبقرية واحدة عدل عدد كبير من المعلمين والجنرالات والباباوات والملوك أو مئات التيجان؟