قصه الحضاره (صفحة 14775)

وسرعان ما تحولت باريس إلى مؤسسة نابضة لصناعة السلاح، وامتلأت حدائق قصر التوليري ولكسمبرج Luxembourg بالمحلات التي تنتج نحو 650 بندقية في اليوم بالإضافة إلى مواد أخرى· وانتهت البطالة وصودرت الأسلحة الشخصية والمعادن والملابس الزائدة عن الحاجة، ووضعت آلاف المطاحن تحت إشراف الدولة· لقد صودرت رؤوس الأموال والعمل، واقترضت الحكومة - بالضغط من الموسرين بليون جنيه (ليفر - Livres) ، وحددت الحكومة الأسعار وحددت للمتعاقدين معها ما ينتجون· وهكذا أصبحت فرنسا بين عشية وضحاها دولة شمولية totalitarian state·

وكان لا بد من الحصول من تربة فرنسا المحاصرة من كل ناحية وفي كل ميناء - على النحاس والحديد والملح الصخري (نترات البوتاسيوم والصوديوم) والبوتاس والصودا والكبريت، وكان الاعتماد جزئيا فيما سبق على الاستيراد للحصول على بعض هذه المواد· ومن حسن الحظ أن قام الكيميائي لافوازيه (الذي سرعان ما قصت المقصلة رقبته) في سنة 1775 بتحسين نوعية البارود وزيادة إنتاجه، فكان لدى الجيوش الفرنسية بارود من نوعية أفضل مما لدى أعدائهم وتم استدعاء علماء مثل مونج Monge وبيرثولية رضي الله عنهerthollet وفوركروي Fourcroy لتدبير إمدادات من المواد التي دعت الحاجة إليها أو اختراع بدائل لها، وكان هؤلاء العلماء هم الأعلام في مجال دراساتهم في ذلك الوقت وقد أدوا خدمات جيدة لبلادهم·

وفي نهاية سبتمبر كان لدى فرنسا 500,000 مجند كانت معداتهم غير كافية، وكان تنظيمهم بائسا وكانت روحهم يعتريها التردد فلا أحد يتحمس وهو مقبل على الموت سوى القديسين· والآن ولأول مرة أصبحت الدعاية (البروباجندا propaganda) صناعة حكومية (صناعة من صناعات الدولة) تكاد تكون حكراً عليها، فدفع وزير الحرب جان - بابتست بورشوت Jean - رضي الله عنهaptiste رضي الله عنهourchotte أموالاً للصحف لتقدم موضوعات عن حالة الأمة وأوصى القائمين عليها بتوزيع نسخ من هذه الصحف في معسكرات الجيش، فلم يكن هناك - إلا القليل - من يقرأها في أي مكان آخر (غير معسكرات الجيش) وذهب أعضاء من اللجنة أو ممثلون عنهم إلى جبهة القتال لإلقاء الخطب الرنانة في الجنود ولمراقبة الجنرالات·

طور بواسطة نورين ميديا © 2015