وكان مارا Marat رجلا شديد الكبرياء، وكانت العلل الجسدية تتناوب عليه فتعوقه وتجعله نزقا سريع الغضب إلى حد الهياج الشديد· وكان مصابا بالتهابات جلدية جعلته يجد راحة لبعض الوقت في الجلوس في الماء الساخن، وكان يكتب وهو بالفعل جالس في هذا الماء الساخن وكان ذا رأس ضخم جداً إذا قورن بطوله الذي لا يزيد عن خمسة أقدام، وكانت إحدى عينيه أعلى من العين الأخرى· من المفهوم إذن لم كان يفضل العزلة· وكان الأطباء يعالجونه بفصد دمه بين الحين والحين لتخفيف آلامه· وكان يعمل بجد شديد وكان يقول عن نفسه: "إنني لا أقضي في النوم سوى ساعتين·· إنني لم أستمتع بخمس عشرة دقيقة من اللعب طوال أكثر من ثلاث سنين "·
وفي سنة 1793 أصيب بداء الرئة وشعر أنه لن يعيش طويلا، وربما كانت إصابته هذه بسبب طوال مكوثه في البيت· وكانت هذه الحقائق غير معروفة لشارلوت كورداى Charlotte Corday·
لقد تأثرت شخصيته بعلله الجسدية، فعوض نقصه بالخيلاء والغرور وعمل تقلب مزاجه وادعاؤه العظمة وشجبه الضاري لكل من نيكر ولافاييت Lafayette ولافوازيه ودعوته المجنونة للعنف الجماهيري·· كل أولئك زاد من وطأته قدر من الشجاعة والحرفية والتكريس·
ولا يرجع نجاح جريدته لمجرد المبالغات المثيرة التي يتسم بها أسلوبه فحسب وإنما يرجع في الأساس إلى تأييده المتواصل والمتحمس للبرولتياريا الذين لا أصوات لهم، ذلك التأييد الذي كان لا ينطوي على أي نوع من الرشوة·
ومع هذا فهو لم يكن يبالغ في تقدير ذكاء الشعب· لقد كان يرى الفوضى ضاربة أطنابها، وأضاف إليها فوضى جديدة من عنده لكنه على الأقل في ذلك الوقت لم يكن يدعو إلى الديمقراطية وإنما إلى الديكتاتورية والثورة والاغتيال تماما كما كان يحدث في أيام روما الجمهورية، بل إنه قد اقترح أن يكون نفسه هو هذا الديكتاتور المطلوب· وفي بعض الأوقات كان يرى أن الحكومة يجب أن تكون في قبضة الملاك (أصحاب الثروة) طالما أن لديهم العصا الطولى التي تستخدم لصالح الجمهور· وكان يعتبر تركز الثروة أمر ا طبيعيا لكنه اقترح موازنة ذلك بالدعوة إلى أن الرفاهية أمر ينطوي على الفسق، وإلى الحق المقدس للجائع والمحتاج·