المعروف أن القرن السادس عشر في أوروبا قد شهد حركة شهيرة عرفت بحركة الإصلاح الديني، نتج عنها مذهب جديد، عرف بالمذهب البروتستنتي، منشقا عن كنيسة روما الكاثوليكية· وكان الكاثوليك وكنيستهم يسمون هؤلاء المعترضين البروتستنت هراطقة أو مبتدعين·
وقد شغل هذا الصراع بين البروتستنت والكاثوليك مساحة كبيرة في كتب التاريخ الأوروبي، وهو جدير بهذه المساحة وأكثر· فقد شارك هذا الصراع في صياغة خريطة أوروبا المعاصرة· فالصراع بين الكاثوليك والبروتستنت كان أحد أسس ثورة الأراضي المنخفضة التي نتج عنها قيام كيانين: هولندا فبلجيكا· وهذا الصراع نفسه هو الذي أصل وعمق استقلال سويسرا، مما أدى إلى اعتراف مجتمع الدول الأوروبية بها في النهاية كدولة مستقلة سنة 1648م في صلح وستفاليا· وهذا الصراع نفسه هو الذي صاغ تاريخ إنجلترا (بريطانيا فيما بعد)، فلا أحد إذن يقلل من أهمية حركة الإصلاح الديني التي تزعمها لوثر أولا وتلاه زونجلي فكالفن· تلك العصبة التي أطلق عليها الكاثوليك اسم الهراطقة أو المبتدعين·
وهذه الحركة الإصلاحية التي تزعمها لوثر، فزونجلي وكالفن بعده اختلطت فيها العوامل الاقتصادية والسياسية الاجتماعية والدينية، فقد أزكاها رغبة الأمراء الألمان في الاستيلاء على أملاك الكنيسة الكاثوليكية في مقاطعاتهم· كما أزكاها رغبة الإمبراطور في عدم تدخل البابا في شؤونه· كما أن رغبة الملك الإنجليزي هنري الثامن في طلاق زوجته، كانت أحد العوامل في تبنيه منهجا إصلاحيا وخروجه على البابا، لكن الباحثين في التاريخ الأوروبي يغفلون أو يشيرون على استحياء إلى حركة إصلاحية دينية من نوع آخر زامنت وواكبت حركة مارتن لوثر، تلك هي حركة الموحدين Unitarians أو المناهضين للتثليث·