ومن غير ديورانت الذي نيف على السبعين وهو يكتب سطور هذا الكتاب، يقول لنا: إن كل محاولات إبعاد الدين، وإحلال "عناصر طبيعية" مكانه لضبط السلوك البشرى قد باءت - عبر التاريخ - بالفشل، فالقانون وحده لا يكفي لضبط هذا الحيوان الناطق، وإنما لا بد من يقين إيماني بوجود إله يرى كل شيء ويسمع كل شيء، ويعاقب على السيئة، ويثيب على الحسنة، وهو الأمر الذي انتهى إليه ثوار فرنسا الذين لم ينكر غالبهم وجود الله سبحانه، رغم ما يتردد في بعض الكتب من نسبة الإلحاد إليهم·
ومن غير ديورانت ابن السبعين يعكف على نتائج الثورة الفرنسية بتؤدة وتروٍ فلا ينكر جوانبها الإيجابية، ولكنه يقول: إن جزءاً كبيرا من هذه النتائج الإيجابية كان سيتحقق - بدون ثورة - من خلال التطور الطبيعي للأمور، والمسار المنضبط للتاريخ، وبذا تكون النتائج الطيبة قد تحققت بغير هذا القدر الهائل من الدماء المراقة· وسيجد القراء والمتخصصون أن "ديورانت وزوجته أضافا جديدا" إلى معلوماتنا عن الثورة الفرنسية، وصححا كثيرا من الأخطاء، ونشرا كثيرا من الوثائق المهمة خاصة مراسلات نابليون لزوجته جوزيفين التي أثرت كثيرا في حياته، بل وفي وقع خطواته في المعارك، حتى إن المؤلف أورد لنا خطابا أرسله نابليون إلى أخيه نفهم منه أنه كان قد اعتزم ترك مصر والعودة إلى فرنسا حتى قبل أن تطلب منه حكومة الإدارة العودة، وقبل أن يتأزم وضع الحملة في مصر بعد هزيمة الأسطول الفرنسي في موقعة أبى قير البحرية على يد الأسطول الانجليزي بقيادة نلسن، لا لشيء إلا لعلمه أن جوزيفين قد اتخذت في غيابه عشيقاً·
وحتى تحقق الترجمة - في أي مجال - غرضها لا بد أن تركز على نقل المفاهيم إلى القارئ العربي، وليس مجرد الألفاظ مجردة من مفاهيمها، وسيجد القارىء فيما ترجم وكتب عن الثورة الفرنسية ترجمةً قد تكون حرفيّة أو دقيقة من الناحية اللفظية، لكنها - وهذا مؤكد - تبعد القارئ العربي تماما عن المعنى المقصود، فالترجمة ليست من لغة إلى لغة فقط ولكنها في الأساس من ثقافة إلى ثقافة·