قصه الحضاره (صفحة 1424)

الآن أنها توجد فيها، كما لم يكن أحد يتصور منذ قرن واحد ما في أمريكا من ثروة معدنية ومن وقود. أما عن قواها المعنوية فإن هذه الأمة التي مرت عليها ثلاثة آلاف عام سمت فيها إلى المجد تارة وتردت في مهاوي الشقاء تارة أخرى، وتوالت عليها فترات موت وبعث، إن هذه الأمة لتظهر فيها اليوم كل دلائل الحيوية المادية والمعنوية التي نتبينها في أكثر عهودها إبداعاً وإنتاجاً. وليس في العالم كله شعب أكثر من هذا الشعب نشاطاً وذكاء، وليس فيه شعب يماثله في قدرته على التكيف حسب ما يواجهه من الظروف، وفي مقاومته للأمراض، وفي انتعاشه بعد الكوارث والآلام، شعب علمه تاريخه الطويل الصبر على الأرزاء والخروج منها سالماً على مر الأيام. وليس في وسع الخيال أن يتصور ما يخبئه المستقبل لحضارة تمتزج فيها الموارد المادية والطاقة البشرية والعقلية لهذا الشعب والوسائل والأدوات الفنية التي أوجدتها الصناعة الحديثة.

وأكبر الظن أن الصين ستنتج من الثروة ما لم تنتجه قارة من القارات حتى أمريكا نفسها، وأن الصين ستتزعم العالم في نعيم الحياة وفنها كما تزعمته مراراً في الزمن القديم في التنعم وفي فنون الحياة.

ذلك أن الهزائم الحربية واستبداد الأموال الأجنبية مهما قست لا تستطيع أن تكبت إلى مدى طويل روح أمة غنية في مواردها وفي حيويتها، بل سيخسر المغير عليها ماله وينفذ صبره قبل أن تستنفذ البلاد قدرتها على التكاثر؛ ولن يمضي قرن واحد من الزمان حتى تكون الصين قد امتصت فاتحيها وهضمتهم وحضرتهم بحضارتها، وتعلمت جميع الفنون التي سيطلق عليها إلى وقت قصير اسم الصناعة الحديثة. وسوف توحد الطرق وسبل الاتصال بين أجزاءها، وتمدها أساليب الاقتصاد والادخار بحاجتها من المال، وستعيد إليها الحكومة القوية السلم والنظام. ويقيننا أن الفوضى مهما اشتدت ليست إلا أمراً عارضاً مصيره إلى الزوال، ثم يتوازن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015