وتزيد السرعة، وتسخر نفسها للآلات في عشرات الصناعات، وتصرف مصانع الغزل والنسيج عن قوة الماء إلى قوة البخار (1785 وما بعدها)، وتغير وجه الريف، وتغزو المدن، وتحجب السماء بغبار الفحم وأبخرته، وتختبئ في أحشاء المراكب لتسبغ قوة جديدة على سيادة إنجلترا على البحار.
واقتضى الأمر عنصرين آخرين لجعل الثورة تامة، المصانع ورأس المال. وكانت مقومات الصناعة-وهي الوقود والقوة المحركة والمواد والآلات والعمال-تتعاون على خير وجه إذا جمعت في مبنى أو مصنع واحد، وفي تنظيم وضبط واحد، تحت رئيس واحد. لقد كانت المصانع موجودة من قبل؛ ولكنها الآن تكاثرت عدداً وحجماً لأن السوق الموسعة تطلبت الإنتاج المنتظم الواسع النطاق، وأصبح "نظام المصنع" علماً على النظام الجديد في الصناعة. فلما أصبحت الآلات الصناعية والمصانع غالية التكاليف، قوى سلطان الرجال والمؤسسات القادرة على جمع رأس المال أو تقديمه، وتسلطت المصارف على المصانع، وأتخذ المركب كله اسم الرأسمالية-وهو اقتصاد يسيطر عليه الممولون. أما وقد توافرت كل حوافز الاختراع والمنافسة، وتحررت المشروعات الصناعية تحرراً متزايداً من قيود النقابات الحرفية والمعوقات التشريعية، فإن الثورة الصناعية تهيأت لتشكل من جديد وجه بريطانيا وسماءها وروحها.
كان على صاحب العمل والعامل كليهما أن يغيرا عاداتهما ومهارتهما وعلاقاتهما. فأما صاحب العمل الذي أخذ يتعامل مع عمال لا يفتأ عددهم في ازدياد، وفي دورة أسرع لرأس المال، فقد الصلة الحميمة بهم، واضطر أن ينظر إليهم لا بوصفهم معارف عاكفين على عمل مشترك، بل يشتغلون جزئيات في عملية لا يحكم عليها إلا بالأرباح. وكان معظم الحرفيين قبل في ورش النقابات أو في بيوتهم حيث لا تكون ساعات العمل صارمة 1760 لا تلين، وحيث يسمح بفترات للراحة؛ وفي عهد أسبق كانت هناك عطلات دينية تحرم الكنيسة فيها كل عمل يأتي بربح. وعلينا ألا نتمثل حال الرجل