واحتاجت الحوانيت والمصانع المتكاثرة إلى رجال. وتعاظم المدد الطبيعي من العمال بفضل العدد المتزايد من الأسر الريفية التي لم تعد قادرة على كسب قوتها من الفلاحة. وطالبت صناعة الصوف المزدهرة بالصوف؛ وانتزع المزيد من الأرض من الفلاحة وخصص للرعي؛ وحلت الأغنام محل الرجال؛ ولم تكن قرية "أوبرن" (التي حزن عليها جولدسمث) القرية المهجورة الوحيدة في بريطانيا. ففي الفترة من 1702 إلى 1760 كان هناك 246 قانوناً برلمانياً يصرح بنزع أربعمائة فدان من الزراعة، ومن 1760 إلى 1810 كان هناك 2. 438 قانوناً، تأثرت بها خمسة ملايين فدان تقريباً (7). ولما تحسنت الآلات الزراعية، لم تعد الملكيات الصغيرة مرغوبة، لأنها عجزت عن استعمال الآلات الجديدة أو دفع ثمنها؛ فباع الألوف من المزارعين أراضيهم وأصبحوا أجراء في مزارع واسعة أو في مصانع ريفية أو في المدن. وأنتجت المزارع الكبيرة المزودة بطرائق وتنظيم وآلات أفضل غلة للفدان أكثر من مزارع الماضي، ولكنها كادت تمحو كل أثر للمزارعين الأحرار، أو الفلاحين الملاك، الذين كانوا الدعامة الاقتصادية والحربية والأخلاقية لإنجلترا. وزودت أثناء ذلك الهجرة من ايرلنده والقارة أعداد الرجال والنساء والأطفال المتنافسين على الاشتغال في المصانع.
ولم يلعب العلم إلا دوراً متواضعاً في التحول الاقتصادي الذي طرأ على إنجلترا القرن الثامن عشر. وقد استعان وات ببحوث ستيفن هيلز في الغازات، وجوزف بلاك في الحرارة والبخار، على تحسين الآلة البخارية. وكانت جمعية لندن الملكية يتألف أكثرها من رجال عمليين يحبذون الدراسات التي يرجى تطبيقها على الصناعة. وكذلك كان استعداد البرلمان البريطاني لمراعاة الاعتبارات المادية؛ ومع أن ملاك الأرض كانوا مهيمنين عليه، فإن العديد منهم شاركوا في التجارة أو الصناعة، وكان أكثر الأعضاء ميالين إلى قبول الهدايا واستجابة إلى الالتماسات من رجال الأعمال لتخفيف القيود التي فرضتها الحكومات السابقة على الاقتصاد. وظفر المدافعون عن حرية المشروعات وحرية التجارة-وترك الأجور والأسعار حرة في الصعود أو الهبوط طبقاً لقوانين العرض والطلب-هؤلاء ظفرت بتأييد عدة زعماء