حانت، وأنا موشك على فراق الحياة. وقد أتت النهاية قبل أن أستطيع إثبات موهبتي. ومع ذلك كانت الحياة جميلة" (100).
وفي شهوره الأخيرة أفرغ عافيته المتداعية في تأليف "القداس الجنائزي" وراح يعكف عليه أسابيع عديدة عكوفاً محموماً. فلما حاولت زوجته أن تصرفه عنه إلى شواغل أقل جهامة قال لها "إنني أكتب القداس الجنائزي لنفسي، وسيصلح صلاة لمأتمي" (101) وألف لحن "يا رب أرحم" Kyrie وأجزاء من "يوم الغضب" والبوق السماوي Yuba Mirum " والملك الموهوب" Rex Tremendae واذكرني Recordare و"الباكية" Lacrimosa و"أيها الرب" و"المدانون Confutatis" و"القرابين" Hostias. وقد ترك هذه الأجزاء المتناثرة دون مراجعة، وهي تشي باضطراب عقل يواجه الانهيار. وقد اكمل فرانتز زافير زوسماير "القداس الجنائزي" على نحو رائع.
وفي نوفمبر بدأت يدا موتسارت ورجلاه تتورم ورماً مؤلماً، وأصابه شلل جزئي. فاضطر إلى لزوم فراشه، في تلك الأمسيات حين كانت أوبرا "الناي السحري" تمثل كان يضع ساعته إلى جواره ويتابع كل فصل في خياله، مدندناً بالألحان أحياناً. وفي آخر يوم من حياته طلب نوتة القداس الجنائزي، ورتل دور الألتو، ورتلت السيدة شاك السوبرانو، وفرانتز هوقر التنور، والهر جيرل الباص. فلما بلغوا "الباكية" بكى موتسارت. وتنبأ بأنه سيموت الليلة. وناوله كاهن الأسرار المقدسة الأخيرة. وقرب المساء فقد الوعي، ولكنه فتح عينيه منتصف الليل بقليل ثم أدار وجهه إلى الحائط وسرعان ما انتهت آلامه (5 ديسمبر 1791).
ولم تستطع زوجته ولا أصدقاؤه أن يشيعوه كما ينبغي أن يشيع. صلي على الجثمان في كنيسة القديس إسطفانوس في 6 ديسمبر، ودفن في فناء كنيسة القديس مرقص. ولم يشتر له قبر، بل أدلي الجثمان في قبو عام صنع ليتلقى أجساد خمسة عشر أو عشرين من الفقراء المعدمين. ولم تحدد الموضع علامة من صليب أو نص، فلما ذهبت إليه أرملته بعد أيام لتصلي، لم يستطع أحد أن يدلها على البقعة التي ضمت رفات موتسارت.