مغنية أولى وكل مغن أول في الفرقة. وكان السامعون يتجاذبون الحديث فيما بين هذه القمم المثيرة، وبين الفصول يلعبون الورق أو الشطرنج، ويقامرون، ويأكلون الحلوى أو الفاكهة أو العشاء الساخن, ويتزاورون ويغازلون من مقصورة إلى مقصورة. في مثل هذه المهرجانات كان النص عادة يغرق في طوفان معترض في الأغاني والثنائيات والكوارس والباليهات. وقد ندد المؤرخ لودقيكو موراتوري بطمس العشر على هذا النحو (1701) (16) ووافقه كاتب النصوص أبوستولوتسينو، وانتقد المؤلف الموسيقي بنديتو مارنشيللي هذا الاتجاه في "تياترو على الموضة" (1721). وأوقف متاستازيو حيناً هذا السيل الجارف، ولكن في النمسا لا في إيطاليا. وناضل جوميللي وتراييتا ضده، ولكن مواطنيها أنكروا عليها هذا النضال، ذلك أن الإيطاليين آثروا في في غير مواربة الموسيقى على الشعر، واتخذوا الدراما مجرد تكئة للأغنية.
وأغلب الظن أنه ما من شكل فني آخر وعاه التاريخ حظي بالشعبية التي حظيت بها الأوبرا في إيطاليا، وما من حماسة ضارعت حماسة جمهور إيطالي يرحب بلحن أو قفلة يشدو بها مغنٍ مشهور. ولو سعل أحد المستمعين في حفلة كهذه لعد ذلك منه جريمة اجتماعية كبرى. وكان التصفيق يبدأ قبل أن تختم الأغنية المألوفة، وتدعمه العصي تدق على الأرض أو على ظهور المقاعد، وكان بعض المتحمسين يقذفون بأحذيتهم في الهواء (17). وكان لكل مدينة إيطالية تزهو بنفسها قليلاً أو كثيراُ (وأيها كانت مبرأة من الزهو؟) دار للأوبرا، وبلغ عدد هذه الدور في الولايات البابوية وحدها أربعين. وبينما كانت الأوبرا في ألمانيا حفلة رسمية تؤدى في البلاط ويحرم منها جمهور الشعب، وبينما حد من مستمعيها في إنجلترا ارتفاع أسعار الدخول، نجدها في إيطاليا مفتوحة لكل شخص لائق الهندام نظير رسم متواضع، وأحياناً دون رسم على الإطلاق. ولما كان الإيطاليون قوماً يحبون الاستمتاع بالحياة فقد أصروا على أن يكون لأوبراتهم خاتمة سعيدة مهما كان في هذه الأوبرات من فواجع. ثم أنهم أحبوا الفاكهة كما أحبوا رقة العاطفة. فنما بينهم تقليد يقضي بدس فاصل هزلي بين فصول الأوبرا. ثم تطورت هذه الفواصل