قصه الحضاره (صفحة 12857)

فولتير: كثيراً ما تاقت نفس لزيارة روما، وكم كان يسعدني أن تتحدث إليّ.

بندكت: وكثيراً ما رغبت في التحدث إليك. ويجدر بي أن اعترف بأني تمتعت بذكائك وبراعتك، ولكن تألق ذكائك هو الذي ضللك. من العسير أن تكون متألقاً بارعاً ومحافظاً، إنه لا يروق العقول النشيطة كثيراً أن تقف إلى جانب التقاليد والسلطة، وهناك ما يغريها بالنقد. حيث يمكن أن تشعر بلذة النزعة الفردية والإبداع والجدة، ولكن في الفلسفة يكاد يتعذر أن يكون الإنسان أصيلاً إلا إذا كان مخطئاً. وإني لأتحدث إليك، لا بصفتي كاهناً أو رجل لاهوت، ولكن بصفتي فيلسوفاً يتحدث إلى فيلسوف.

فولتير: أشكرك، لقد كان هناك كثير من الشك في كوني فيلسوفاً.

بندكت: لقد كنت حصيفاً، فلم تصطنع منهجاً جديداً. ولكنك ارتكبت خطأ فاحشاً أساسياً.

فولتير: ما هو؟

بندكت: ظننت أنه من الميسور لذهن واحد على مدى حياة واحدة أن يكتسب هذا القدر من المعرفة وعمق التفكير، مما يجعله صالحاً لينصب نفسه حكماً على حكمة الجنس البشري كله-على تقاليد ونظم شكلتها خبرة الناس وتجربتهم عبر القرون. فالتقاليد بالنسبة للجماعة هي بمثابة الذاكرة للفرد. وكما أن أي خلل في الذاكرة قد يؤدي إلى الجنون، فأن أية مخالفة مفاجئة للتقاليد قد تنزلق بالأمة بأسرها إلى هاوية الجنون، مثل فرنسا في الثورة.

فولتير: أن فرنسا لم تصب بالجنون، ولكنها ركزت في عقد من السنين على تراكم من استياء وغيظ أثناء قرون من الظلم الجور، فضلاً عن ذلك فأن "الجنس" الذي تتحدث عنه ليس "ذهناً"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015