وقد رفعت الأتعاب والدخول الأعلى من مقام الأطباء الاجتماعي. وكان أكثرهم في إنجلترا يتقاضى جنيها نظير الكشف على مريض. وبلغ إيراد بعضهم ستة آلاف جنيه في العام. وقد أصبح السر هانز سلون، أول من رقي للبابوية من الأطباء رئيساً للجمعية الملكية، وخلع جوزف الثاني إمبراطور النمسا على جوزف فون كوارين لقب البارون. ولقي الأطباء الترحيب في خيرة أندية لندن وصالونات باريس، وخلعوا عنهم الروب الأسود (السواتن) الكابي، وتزيوا بأحدث أزياء الطبقة الوسطى الراقية فكانوا في إنجلترا يبدون في سترة من الساتان أو الحرير المطرز الأحمر، وسراويل للركبة، وأحذية ذات مشابك، وعصا ذات مقبض ذهبي، وسيف أحياناً، أما في فرنسا فكانوا يضارعون كبار رجال الكنيسة في فخامة زيهم.
وبعض هؤلاء الأطباء يطالبنا بتنويه خاص. منهم سيمون أندرية تيسو الذي اشتهر في لوزان بتزعمه الدعوة للتطعيم، وبكونه حجة في الصراع وقد جاهد لا ليشفي المرضى فحسب، بل ليحفظ الصحة على الأصحاء، وطبع كتابه "نصيحة للشعب في الصحة" (1760) عشر طبعات في ست سنوات، وترجم إلى كل لغة كبرى في أوربا. ومنهم ليوبولد أونبروجر الذي كان قطبا بين عظام الأطباء الذين شرفت بهم فيينا في عهد ماريا تريزا، وكان محبوبا لتواضعه وأمانته، ومحبته للناس، "مثل سام لخير ما في الخلق الألماني القديم من صادق القيمة والجاذبية" (46). ولم يكن الدكتور جوزف إجناس جيوتان محبوبا إلى هذا الحد، وكان أحد نواب مجلس طبقات الأمة في 1789، وحبذ عقوبة الإعدام، واقترح استعمال آلة لقطع الرؤوس (الجيلوتين) لتفادي ضربات الجلادين الخاطئة.
أما تيودور ترونشان فكان أشهر الأطباء في سويسرا. وكان تلميذاً أثيرا لدى بويرهافي في ليدن، ومارس الطب عشرين سنة في أمستردام، وتزوج حفيدة جان دويت، وعاد إلى مسقط رأسه في جنيف، وأدخل فيها التطعيم (1749) بادئاً بنفسه وأطفاله. وفي 1756