على أن هذه البصيرة الممتازة بنظرية الجراثيم لم تترك طابعاً على طب القرن الثامن عشر العلاجي، وكان لا بد من بعثها مرة ثانية في القرن التاسع عشر.
واقترحت بعض طرق التشخيص الجديدة، فدعا ستيفن هيلز إلى قياس ضغط الدم، وادخل ليوبولد أوينبروجر النقر على الصدر وسيلة لتبين السائل في القفص الصدري. وطور اسكتلنديان، هما جون مارتن وجيمس كري، استعمال الترومتر الأكلينيكي.
وتنافست العقاقير، والجراحة، والشعوذة، على مال المريض. وظل الفصد الدواء الذي يصلح لكل الأدواء، وقد قدر طبيب في 1754 أن أربعين ألف شخص يموتون كل عام في فرنسا من جراء الإفراط في الحجامة (28). وفي أخريات القرن تصاعدت الاحتجاجات على هذا الدواء ووجدت لها صوتا فعالا في كتاب ولشتين "تعليقات على الفصد" وتكاثرت العقاقير. وقد نبذت فارماكوبيا لندن الرسمية الصادرة في 1746 الوصفات المؤلفة من نسيج العنكبوت، وقرون الثور الوحشي، ولبن العذراء، ولكنها احتفظت بالترياق، وعيون السرطان، وقمل الصوف والأفاعي، واللآلئ، زعما منها أنها تؤلف مزائج شافية. وقد أعطت فارماكوبيا عام 1721 صفة رسمية لصبغ الأفيون الكافوري ( paregoric) وعرق الذهب المقيئ (الابيكاك)، ومقيئ الطرطير، وروح النشادر الطيار، وغيرها من العقاقير الجديدة؛ وأضافت طبعة 1746 الفالريانا، وروح النترات الطيب، و"البلسم" (صبغة الجاوي)؛ واعتمدت طبعة 1788 الاونيكا، والعشبة، والقشيرة، والمانزيا، وصبغة الأفيون ... وبدأ استعمال زيت الخروع في أوربا الحديثة حوالي 1764، والزرنيخ حوالي 1786، وادخل اللحلاح (الكولشيوم) علاجا للنقرس في 1763 وتعلم غلام من شروبشير يدعى وليم وذرنج من جدة عجوز أن كف الثعلب (الديجيتال) مفيد للاستسقاء. وقد ظفر بمكان مرموق في تاريخ الطب باكتشافه فائدته في أمراض القلب (1783). وكان كثير من مشاهير الأطباء يصنعون عقاقيرهم ويبيعونها، ويتقاضون الأتعاب على تذاكرهم