وإذ وجدت الآن الجيولوجيا واليولوجيا مقدمتين لها في نثر صاف رصين، موضحتين بلوحات مغرية، فقد أقبلت على هذه المجلدات إقبالا يقرب من إقبالها على كتاب مونتسكيو "روح القوانين" الذي صدر قبل ذلك بعام فقط. ومضى بوفون -وبمساعدة الأخوين أنطوان وبرنار دجوسيو له في النبات، ولوى دوينتون وجينو دمونبليار وغيرهما له في الحيوان، يضيف المجلد تلو المجلد إلى رائعته الكبرى، فصدر اثنا عشر مجلداً جديداً قبيل 1767، وتسعة مجلدات أخرى عن الطيور في 1770 - 83؛ وخمسة عن المعادن في 1783 - 88، وسبعة عن موضوعات أخرى في 1774 - 89. وبعد موته (1788) أشرف إتيين دلاسيبيد على نشر مخطوطاته التي لم تنشر وأصدرها في ثمانية مجلدات (1788 - 1804). وبلغت جملة المجلدات الصادرة من كتاب "التاريخ الطبيعي" في النهاية أربعة وأربعين مجلداً استهلك إعدادها أكثر من حياة، واستغرق نشرها أكثر من نصف قرن. ودأب بوفون على أن، يستيقظ مبكراً ويمضي إلى برجه، ويقترب من هدفه خطوة فخطوة. ويبدو أنه -بعد أن أجتاز بسلام بعض الفلتات الجنسية في شبابه أقصى النساء عن حياته حتى عام 1752 حين تزوج ماري دسان- بيلون وهو في الخامسة والأربعين. ورغم أنه لم يدع الوفاء لرباط الزوجية (96)؛ فقد تعلم أن يحب زوجته، كما يفعل الكثير من الفرنسيين بعد حياة الزنا، وقد أظلم موتها في 1769 سني عمره الباقية.
وقد أخذ "التاريخ الطبيعي" على عاتقه وصف السماوات، والأرض، وكل المعروف من عالم النبات والحيوان، بما فيه الإنسان. وحاول بوفون أن يرد كل هذه المتاهة من الحقائق إلى نظام وقانون عن طريق أفكار الاستمرارية شظايا تحطمت عن الشمس إثر اصطدامها بمذنب، ونظريته في "حقب الطبيعة" التي رآها مراحل في تطور الكرة الأرضية. أما في عالم النبات فقد رفض تصنيف لينيوس للنباتات حسب أعضائها الجنسية لأنه شديد التعسف والنقص والصلابة. وقد قبل طريقة لينيوس في المصطلحات على مضض، واشترط أن توضع الأسماء على جنب في أسفل البطاقات الملحقة