قصه الحضاره (صفحة 12316)

"الأعمال التي خلفها لنا يوهان سبستيان باخ هي تراث قومي لا يقوم بثمن ولا يملكه أي شعب آخر ... وتخليد ذكرى هذا الرجل العظيم ليس واجب الفن وحده بل واجب الأمة ... فهذا الرجل، الذي هو أعظم من عاش ولعله أعظم من سيعيش من شعراء الموسيقى ومنظريها، كان ألمانياً ... فته به فخراً يا وطني" (72).

وفتح هذا النداء المستنفر للوطنية قبر باخ. فاشترى كارل تسلتر، مدير أكاديمية الغناء ببرلين، مخطوطة لحن الآلام، واستطاع فيلكس مندلسون، تلميذ تسلتر، أن يقنعه بأن يسمح له بأن يقود في الأكاديمية أول أداء لهذا اللحن يؤدى في مكان غير الكنيسة (11 مارس 1829). ولاحظ صديق لمندلسون أن لحن الآلام هذا قد بعث إلى النور بعد تقديمه أول مرة بمائة عام تقريباً، وأن يهودياً في الحادية والعشرين من عمره هو صاحب الفضل في بعثة من مرقده (73). وأدى جميع المشاركين في اللحن أدوارهم دون أن يتقاضوا أجراً. وزاد مندلسون على هذا الإحياء بتضمين معزوفاته ألحاناً أخرى لباخ. وفي 1830 نزل فترة ضيفاً على جوته، فشغله جوته بطلبه عزف ألحان باخ.

ووافق هذا الأحياء ظهور الحركة الرومانسية، وتجديد الإيمان الديني بعد حروب نابليون، وزال سلطان الواقعية؛ فقد ارتبطت الثورة (الفرنسية) المجرمة، وبـ "ابن الثورة"، ذلك الرجل الرهيب الذي طالما أذل ألمانيا في ساحات القتال. وكانت ألمانيا الآن ظافرة، فشارك حتى هيجل في الإشادة بباخ بطلاً للأمة. وفي 1837 دعا روبرت شومان إلى نشر أعمال باخ نشراً كاملاً، وفي 1850 تألفت "جماعة باخ"، وجمعت مخطوطات باخ من كل مصدر، وفي 1851 صدر أول مجلد، وفي 1900 صدر المجلد السادس والأربعون والأخير. وقال برامز أن أعظم حدثين في التاريخ الألماني وقعا في عهده تأسيس الإمبراطورية الألمانية، ونشر ألحان باخ الكاملة (74). وهذه الألحان تؤدى اليوم أكثر من ألحان أي ملحن آخر، ويتقبل العالم الغربي كله تقدير باخ بأنه "أعظم شاعر موسيقي عاش إلى اليوم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015