الأحكام، ونفذوا العقوبات، وتعهدوا المدارس والمستشفيات المحلية، ووزعوا الصدقات. وفي مئات من مناطق السيادة والنفوذ مارس السيد الإقطاعي هذه الوظائف والمهام، بالقدر الذي سمحت به الأنانية الطبيعية في الإنسان. وقد اعترف الفلاحون بانتفاعهم منه، ومن ثم فإنهم أطاعوه واحترموه وفي بعض الأحيان أحبوه.
وأدى عاملان أساسيان إلى تبديل هذه العلاقة الإقطاعية: تعيين الحكام أو المحافظين على عهد الكاردينال ريشيليو وما بعده، وتحويل لويس الرابع عشر لكبار السادة الإقطاعيين إلى رجال حاشية. وكان هؤلاء المحافظون موظفين بيروقراطيين من الطبقة الوسطى، يبعث بهم الملك ليحكموا الأقسام الاثنين والثلاثين التي انقسمت إليها فرنسا من الناحية الإدارية. وكانوا عادةً ذوي كفاية ومقدرة ونيات حسنة، ولو لم يكونوا جميعاً من أمثال ترجو. وقاموا بتحسين الأحوال الصحية والإضاءة وتزيين المدن، وأعادوا تنظيم الشئون المالية، وبنوا السدود والخزانات على الأنهار من اجل الري، أو أقاموا الحواجز اتقاء لخطر الفيضانات، وزودوا فرنسا في هذا القرن بشبكة هائلة من الطرق لم يكن لها مثيل في سائر أنحاء العالم. وشرعوا في أن يغرسوا على جوانبها الأشجار التي تظللها اليوم وتزينها (6). وسرعان ما زحزح تفوقهم في الدأب على العمل والمقدرة والكفاية السادة الإقطاعيين المحليين عن حكم الأقاليم، ورغبة في التعجيل بهذه الزحزحة التي تركز الحكم في أيدي هؤلاء المحافظين، وعمد لويس الرابع عشر إلى دعوة السادة الإقطاعيين للانتظام في بلاطه الملكي. وهناك عينهم في وظائف بسيطة ذات ألقاب رفيعة وأوشحة مخدرة. وفقدوا الاتصال بالشئون المحلية على حين ظلوا يحصلون من مزارعهم على الموارد اللازمة للإنفاق على قصورهم وبطانتهم في باريس أو فرساي. وتشبثوا بحقوقهم الإقطاعية بعد أن تخلوا عن واجباتهم الإقطاعية. إن ضياع المهام الإدارية التي كانوا يقومون بها في مجال الاقتصاد والحكومة جعلهم عرضة للاتهام بأنهم كانوا طفيليات غير ضرورية عالة على فرنسا.