قصه الحضاره (صفحة 11878)

حد لا يطاق، ولكنه يسلم أن إلهه غير مفهوم بتاتاً للعقل البشري (112). ويلوم كليانثيس ديميا على محاولته تفسير غير المفهوم بغير المفهوم، ويؤثر أن يثبت وجود الله بأدلة القصد في الطبيعة. أما فيلو فيسخر من الحجتين، ويزعم أن العقل لا يمكن أبداً أن يفسر العالم أو يثبت وجود الله. "فأي امتياز خاص تمتاز به حركة الدماغ الصغيرة هذه التي نسميها الفكر، حتى يتحتم علينا أن نجعلها نموذجاً للكون كله؟ (113) ". وأما عن القصد، فإن تكييف الأعضاء لتلائم الأغراض ربما لم ينشأ عن إرشاد إلهي، بل عن تجارب الطبيعة، البطيئة المتخبطة، خلال آلاف السنين (114). (هنا نجد "الانتخاب الطبيعي" بعد 1. 800 سنة من لوكرينيوس، وقبل 108 سنة من داروين). وحتى لو سلمنا بالقصد فوق الطبيعي، فإن قصور التكييفات وعيوبها، وآلاف الآلام في دنيا الإنسان والحيوان، تكشف لنا- على أحسن الفروض- عن إله محدود القدرات والذكاء، أو إله غير مكترث للبشر بتاتاً. "فحياة الإنسان في النهاية ليست أعظم أهمية للكون عن حياة المحارة (115) " يقول:

"يخيل للمرء أن هذا الإنتاج الفخم لم يتلق آخر اللمسات من خالقه، فكل جزء فيه ناقص الصقل جداً، والخطوط التي نُفذ بها غاية في الخشونة. فالرياح مثلاً تساعد الناس على الملاحة، ولكن وما أكثر أن تصبح مؤذية حين تنقلب زوابع وأعاصير! والأمطار ضرورية لتغذية جميع نباتات الأرض وحيواناتها، ولكن ما أكثر ما تكون شحيحة وما أكثر ما تكون مسرفة! ... ليس في الكون شيء كثير النفع إلا انقلب المرة بعد المرة مؤذياً لإفراطه أو قصوره، ثم أن الطبيعة لم تتخذ حيطتها بالدقة المطلوبة من جميع ألوان الخلل أو الفوضى (116) ".

وأسوأ من هذا أن الأمر لا يقتصر على وجود الخلل وسط النظام (إذا نظرنا إلى العالم على أنه مخطط)، بل إن في وسط الحياة الزاخرة صراعاً عقيماً على الدوام مع الموت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015