الفصل الرابع
كان لقصة القرن الثامن عشر في غرب أوربا موضوع ذو شقين، انهيار النظام الإقطاعي القديم، والانهيار الوشيك للدين المسيحي الذي أضفى على ذلك النظام سنده الروحي والاجتماعي. فقد كانت الدولة والدين مرتبطين برباط المعونة المتبادلة، وبدا أن سقوط الواحد يجر الآخر إلى مأساة مشتركة.
وقد لعبت إنجلترا الفصل الأول في كلتا ناحيتي هذا التغيير العظيم. في المسرح السياسي سبقت حربها الأهلية (1642 - 49) الثورة الفرنسية بمائة وسبعة وأربعين عاماً في خلع أرستقراطية إقطاعية وضرب عنق الملك. أما في مجال الدين فإن نقد الربوبيين للمسيحية سبق الحملة الفولتيرية في فرنسا بنصف قرن، وسبقت مادية هوبز مادية لامتري بقرن، وسبقت رسالة هيوم "في الطبيعة البشرية" (1739) ومقالة "في المعجزات" (1748) هجوم "الفلاسفة" الفرنسيين على المسيحية في "الموسوعة" (1751). وكان فولتير قد تعلم شكوكيته في فرنسا-وبعضها أخذه عن بولنبروك الإنجليزي المبعد عن وطنه-قبل أن يحضر إلى إنجلترا ولكن السنوات الثلاث التي قضاها في إنجلترا (1726 - 28) روعته بمشهد السنية وقد أصابها الانحلال والكاثوليكية وقد ذلت، والبروتستنتية وقد تفرقت شيعاً مستضعفة، والربوبيين يتحدون كل شيء في المسيحية إلا الإيمان بالله-وهو بالضبط التحدي الذي سيحمله فولتير إلى فرنسا. يقول فولتير "في فرنسا ينظر الناس إليّ على أنني مقلّ في الدين، وفي إنجلترا على أنني مُسرِف فيه (1) ".
وقد كتب مونتسكيو بعد أن زار إنجلترا في 1731 يقول "ليس