عن طريق بيع الألقاب بالجملة لعامة الناس. وفي سنة واحدة منح الملك لقب النبالة لخمسمائة شخص مقابل ستة آلاف جنيه دفعها كل منهم، وبذلك أصبح أبناء البيوتات العريقة أتباعاً لأبناء رقيق الأرض. وما لم تعد الحرب صراعاً بعيداً بين المرتزقة والمجادلين، بل اختباراً مضنياً مزعجاً للموارد والاقتصاديات ورجل الدين، وازدهر الرأسماليين وسط الاضمحلال العام. ذلك أنك تجد في الدول الحديثة أن الرجال الذين يستطيعون أن يسوسوا الناس، لا يسوسون إلا من يستطيعون أن يدبروا الأمور، وأن يستطيعون تدبير المال يسوسون الجميع.
وفي حكمنا على لويس الرابع عشر ينبغي أن نتذكر قولة جوتة المأثورة الإنسانية، بأن رذائل المرء هي من تأثير عصره. على حين أن فضائله نابعة منه، أو كما أوردها الرومان في إيجاز متميز "الرذائل هي رذائل الزمان لا رذائل الإنسان (102) " أن حكمه الاستبدادي المطلق، والتعصب الذي حدا به إلى الاضطهاد والتعذيب، والتلهف على السلطة والميل للحروب، ركبت كلها فيه باعتباره ابناً لعصره ولكنيسته. أما كرمه وسخاؤه وشهامته وكياسته، وتقديره وتشجيعه للأدب والفن، وقدرته على احتمال أعباء حكومة مركزية بعيدة المدى، فهي كلها صفاته الشخصية التي جعلت منه ملكاً بكل معاني الكلمة. وكتب جوتة: أن الطبيعة أبدعت في لويس الرابع عشر نوعاً كاملاً من الطراز الأول للنمط الملكي، وبهذا أنهكت نفسها وحطمت القياس (103). وقال نابليون "كان لويس الرابع عشر ملكاً عظيماً، وهو الذي رفع فرنسا إلى المرتبة الأولى بين الأمم. وأي ملك من ملوك فرنسا منذ عهد شارلمان يمكن أن يقارن به في كل نواحيه؟ (104) ". ومن رأي لورد أكتون أنه "كان إلى أبعد حد، أقدر من ولد في العصور الحديثة على درجات سلم أي عرش (105) ". لقد شن حروباً مدمرة، وسخر كبرياءه في إسراف في البناء والترف، وخنق الفلسفة، وأثقل كاهل شعبه بالضرائب إلى حد الإملاق والعوز، ولكنه هيأ لفرنسا حكومة منظمة، ووحدة وطنية، وعظمة ثقافية، بلغت بها مرتبة الزعامة التي لا نزاع فيها على العالم الغربي. وأصبح علماً على أسمى عهد زاهر لبلاده ورمزاً له. أما فرنسا التي تعيش على المجد والعظمة، فقد تعلمت أن تغفر له تدميره لها في سبيل أن يجعلها عظيمة.