وتابع بعض المتحمسين ثورتهم إلى أقصى درجات الإلحاد، فنبذ ماتياس كنوتزن من هولشتين أي معتقد خارق للطبيعة "أننا فوق كل شيء ننكر الله (2) ". واقترح أن يستبدل بالمسيحية وكنائسها وكهنتها "ديانة وضيعة" "ديانة الإنسانية" مستبقاً بذلك أوجست كومت، وأن يؤسس الخلاق على تربية الضمير تربية قائمة على المذهب الطبيعي فقط (1674) وقيل أنه كان له 700 من الأتباع، وربما كان في هذا مبالغة، ولكنا نلاحظ أنه فيما بين عامي 1662، 1713 نشر على الأقل اثنان وعشرون كتاباً في ألمانيا، وهدفها نشر الإلحاد أو تفنيده (3).
ورثى ليبنتز "لانتصار المفكرين الأحرار الواضح"، فكتب حوالي عام 1700 "في أيامنا هذه"، يبدي كثير من الناس قليلاً من الاحترام والإجلال للوحي ... أو المعجزات (4) ". وأضاف في 1715: أن الديانة الطبيعية ينتابها كثير من الضعف، ويعتقدون كثيرون أن النفوس جسدية، وآخرون أن الله نفسه جسدي. ويرتاب مستر لوك وأتباعه في أن النفوس غير مادية ومآلها الهلاك بشكل طبيعي (5). ولم يكن ليبنتز راسخ العقيدة إلى حد كبير، ولكنه رجل الدنيا ورجل البلاط، فتساءل إلى أين تنتهي العقلانية المتصاعدة، وماذا عساها أن تفعل بالكنائس والأخلاق والعروش. وهل من المستطاع الرد على العقلانيين بلغتهم وإنقاذ عقيدة الآباء والأجداد من أجل سلامة الأبناء؟.
كان جوتفريد ولهلم ليبنتز في الثانية من العمر حين وضعت حرب الثلاثين عاماً أوزارها. ونشأ في فترة من أكثر فترات التاريخ الألماني عقماً وشقاء. ولكن تهيأت له، كل فرص التعليم المتاحة آنذاك، لأن أباه كان أستاذاً لفلسفة الأخلاق في جامعة ليبزج، وكان جوتفريد فتى ذكياً متلهفاً على المعرفة، ولوعاً بالكتب. وكانت مكتبه أبيه مفتوحة الأبواب أمامه تدعوه ليأخذ ويقرأ. وبدأ دراسة اللاتينية في سن الثامنة، واليونانية في الثانية عشرة. والتهم التاريخ فأصبح متعدد جوانب العلم والمعرفة. وفي سن الخامسة عشرة التحق بالجامعة حيث