الأربعة عشر عاماً التي انقضت بين ظهوره ووفاة مؤلفه لوك. وظهرت له الطبعة بالفرنسية في عام 1700، وتقبلوه هناك في إعجاب حماسي. وأصبح حديث الناس في قاعات الاستقبال في إنجلترا. وأكد ترسترام شاندي لسامعيه أن الرجوع إلى "المقال" يمكن أي إنسان من "الابتعاد بنفسه عن التفكير في الميتافيزقيا (147) ". وكان تأثيره على باركلي وهيوم عظيماً إلى حد أننا نستطيع أن نؤرخ بظهوره تحول الفلسفة البريطانية من الميتافيزقيا إلى المعرفة. وربما كان لوك ماثلاً في ذهن بوب حين كتب "أن الدراسة الصحيحة للجنس البشري هي الإنسان".
وفي 1700 ظهرت طبعة بالفرنسية للمقال، ولقيت هناك ترحيباً حماسياً بالغاً. وكتب فولتير يقول: "بعد أن صاغ بعض السادة المفكرين أسطورة رومانسية عن النفس، ظهر رجل واحد حكيم حقاً، وأمدنا بتاريخها الصحيح في أعظم حالة من التواضع يمكن تصورها. إن مستر لوك قد كشف للإنسان تشريح النفس، كما لو أن بعض علماء التشريح يشرحون الجسم (148) ". ونعود فنقول "إن لوك وحده" بسط العقل الإنساني في كتاب لا يضم إلا حقائق وهو كتاب بلغ حد الكمال والإتقان- لأن هذه الحقائق مبسوطة فيه بأحلى بيان (149) " وبات المقال الإنجيل السيكولوجي لعصر الاستنارة في فرنسا. وتبنى كونديللاك "المذهب الحسي الذي جاء به لوك وتوسع فيه وذهب إلى أن شيئاً لم يستجد في علم النفس فيما بين أرسطو ولوك (150) - وهذا إجحاف واضح بالفلاسفة السكولاسيين (العصور الوسطى) وهوبز وينسب دالمبرت، في "بحث تمهيدي في دائرة المعارف" إلى لوك الفضل في خلق الفلسفة العلمية، كما خلق (في رأيه) نيوتن الفيزياء العلمية. وعلى الرغم من مجاهرات المقال بالمعتقد القويم، فإنه مهد لتجريبية عقلانية، سرعان ما نبذت النفس باعتبارها فرضية غير ضرورية، وانطلقت إلى تطبيق نفس التفكير بالنسبة لله سبحانه وتعالى.
د - الدين والتسامح
لم يتعاطف لوك نفسه مع مثل هذا التطرف، ومهما يكن من أمر شكوكه الخاصة، فإنه أحس، كأي رجل إنجليزي مهذب، بأن السلوك