وما لبث أن طلق العلم لأنه مطلب مسرف في الدنيوية، وعاد إلى الدين. وبعد موته بسبع وخمسين سنة جمعت مخطوطاته ونشرت باسم رضي الله عنهiblia Naturae ( كتاب الطبيعة المقدس). وقد احتوى الكتاب في تفصيل دقيق غاية الدقة على وصف لحياة اثنتي عشرة حشرة نموذجية، منها ذبابة مايو ونحلة العسل، ودراسات مكروسكوبية للحبار squid والحلزون، والبطلينوس clam والضفدعة. كذلك وردت في الكتاب أوصاف للتجارب التي أثبت بها سوامردام أن العضلات في الأنسجة المقطوعة من جسم حيوان يمكن جعلها تتقلص بإثارة العصب الرابط. وقد رفض نظرية التولد التلقائي كما رفضها ريدي، وزاد بأن بين أن اللحم المتحلل لا يحدث الكائنات الدقيقة، بل أن هذه الكائنات هي التي تحدث التحلل في المادة العضوية. وقد أسس سوامردام في حياته القصيرة علم الحشرات الحديث، وأرسى لنفسه مكانة رجل من أدق الملاحظين في تاريخ العلم. ورجوعه من العلم إلى الدين تشخيص لتردد الإنسان الحديث بين بحث عن الحقيقة يسخر من الأمل، وانتكاس إلى الآمال التي تجفل من الحقيقة.
أسلم جسم الإنسان بعد إخضاعه للمكروسكوب بعض أسراره الدفينة لجيش العلم الزاحف. ففي عام 1651 تتبع جان باكيه سير الأوعية اللبنية، وفي 1653 كشف أولوف روربيك، وموطنه أوبسالا، الجهاز اللنفاوي، ووصف هذا الجهاز توماس مارتولين، وموطنه كوبنهاجن، وفي 1664 اكتشف سوامردام الصمامات اللنفاوية وفي ذلك العام أوضح صديقه رينيه دجراف وظيفة البنكرياس والصفراء وعملهما. وفي 1661 اكتشف صديق آخر هو نيقولاوس ستينو قناة (لا تزال تحمل اسمه) هي قناة الغدة النكفية، ويعد سنة القنوات الدمعية للعين، وخص جراف بدراسته تشريح الخصيتين والمبايض، وفي 1672 وصف لأول مرة تلك الأكياس حاملة البيض التي أطلق عليها هالر تكريماً له حويصلات جراف. وترك بارتولين بطاقته على جسمين بيضاويين ملاصقين للمهبل، واكتشف وليم كوبر (الطبيب لا الشاعر) في 1702 الغدد التي تفرغ إفرازها في مجرى البول وأطلق عليها اسمه. كذلك ترك فرنشسكوس سيلفيوس توقيعه على شق في المخ (1663) (وكان المعلم