ذلك أن أناقة البلاط انتقلت إلى كبار الأكليروس، فأثمرت عهداً من البلاغة المنبرية ينافس البلاغة القانونية التي أشتهر بها ديموستين وشيشرون. وفي أثناء السنوات الثمانية التالية وفق بوسويه في أن يكون الخطيب المفضل في كنائس القصر، ثم أصبح المرشد الروحي لعدد من كبريات النبيلات مثل هنربيتا "مدام" دورليان؛ ومدام دلونجفيل، ومدموازيل دمونباسيه (106) وكان في بعض عظاته يوجه الخطاب إلى الملك مباشرة، مغالياً في تملقه عادة، ولكنه دعاه مرة بحرارة إلى أن يهجر زناه وفجوره ويعود إلى زوجته. ففقد برهة رضاء الملك، ولكنه استرده حين هدى تورين إلى الكاثوليكية. وفي 1667 اختاره لويس ليؤبن آن النمساوية في مأتمها، وبعد عامين ألقى عظة فوق جثمان هنربيتا ماريا ملكة إنجلترا الأرملة، وفي 1670 أضطلع بواجب أليم هو تأبين هنربيتا الصغرى، تائبته المحبوبة التي فاضت روحها بين ذراعيه في فتنة صباها التي لم يكتب لها بقاء طويل.
والمظتان اللتان أبن بهما تشارلز الثاني ملك إنجلترا وأخته هما أشهر العظات قاطبة في الأدب الفرنسي-لأن خطاب البابا أوربان الثاني الذي ما زال يفوقهما شهرة، والذي استنفر فيه أوربا إلى الحرب الصليبية الأولى (1095) -هذا الخطاب كان باللاتينية وإن ألقي على أرض فرنسية. وأستهل بوسويه أول هذين التأبينين بموضوعه الجريء المفضل، وهو أن على الملوك أن يتعلموا من دروس التاريخ، وأن الانتقام الإلهي سوف يحل بهم إن لم يستعملوا سلطتهم لخير الشعب، ولكنه بدلاً من أن يرى في تشارلز الأول ملك إنجلترا مثالاً على هذا العقاب، لم يجد فيه عيباً سوى فرط رأفته، ولم يجد عيباً على الإطلاق في زوجته الوفية، فصور الملكة المتوفاة قديسة جاهدت لتهدي زوجها وإنجلترا إلى الكاثوليكية. ثم أستطرد بإسهاب في موضوع آخر محبب إلى نفسه، وهو تكاثر الملل النحل البروتستنتية التي لا حصر لها، وفوضى الأخلاق المنبعثة من اضطراب العقيدة، وقال: إن "التمرد الكبير" كان عقاباُ إلهياً على مروق إنجلترا