وبدءوا يتبينون أنهم إنما يستعملون بيادق في محاولة لاسترجاع نظام إقطاعي من شأنه أن يقسم فرنسا إلى أقاليم مستقلة فرادى، مستضعفة جماعة. وفي نوبة تواضع مفاجئة أرسلوا وفداً إلى الملكة المقتربة، وعرضوا الخضوع لها، مؤكدين أنهم كانوا على الدوام يكنون لها الحب. أما الملكة فقد منحت جميع المتمردين عفواً عاماً، شريطة أن يضعوا السلاح. وسرح البرلمان جنوده، وأبلغ الشعب أن طاعة الملك هي واجب الساعة. وأزيلت المتاريس. وعادت آن، ولوبس، ومازاران إلى قصبة الملك (28 أغسطس 1649)، والتأم شمل البلاط من جديد، وأنظم إليه النبلاء المتمردون كأن شيئاً لم يقع، اللهم إلا سحابة قد انقشعت. وأغتفر كل شيء، ولم ينس شيء. ووضعت حرب الفروند الأولى أوزارها.
ولكن حرباً ثانية ما لبثت أن نشبت. ذلك أن كونديه أحس أن خدماته تخول له الترؤس على مازاران. فتشاجر الاثنان، واتصل كونديه بالنبلاء المتذمرين يجس نبضهم، أما مازاران ففي أجرأ لحظات حياته أمر بحبس كونديه وكونتي ولونجفيل في فانسين (18 يناير 1650). وهرولت مدام لونجفيل إلى نورمنديا، وأثارت حركة تمرد فيها، ثم مضت منها إلى الأراضي المنخفضة الأسبانية، وفتنت تورين حتى ارتضى خيانة العرش. فوافق القائد العظيم على أن يقود جيشاً أسبانياً ضد مازاران. يقول فولتير: "واصطدمت كل الأطراف بعضها ببعض، وأبرموا المعاهدات، ثم خان كل منهم الآخر واحداً إثر واحد ... وما من رجل لم يغير ولاءه غير مرة" (8) وقال ريتز ذاكراً تلك الفترة "كنا على استعداد لقطع رقاب بعضنا البعض عشر مرات كل صباح" (9). وكان هو نفسه على وشك أن يقتل بيد لاروشفوكو. على أن الكل أعلنوا ولاءهم للملك، الذي لابد قد ساءل نفسه: أي نوع من الملكية ذاك الذي استحال هشيماً بين يديه؟
وقامت قوة ملكية بمناورة في بوردو انتهت باستسلامها، وقاد مازاران جيشاً إلى فلاندر وهو يلعب دور إله الحرب مارس، وهناك هزم تورين