«الرومانسية»، التي شاعت في إنجلترا الأليزابيثية أو فرنسة القرن التاسع عشر اختلافاً يقتضينا إعانة التاريخ بالخيال لتعليل سلطانها على زمانها وعلى مسرح اليوم. إن في كوريني روحاً رومانسية أيضاً بقدر ما في شكسبير، وعواطف مدروسة بأكثر من عناية ديكارت ورهافته، ولكن أتباع مثل العصر الكلاسيكية اقتضى اخضاع العواطف-على ما فيها من تعبير قوي- «للعقل» -أو للحجة. والإسراف في الحجج هو ثقل الموازنة لهذه التمثيليات. بحيث قل أن تحلق التحليقات التي تكثر جداً في راسبين. أما الحركة فتبعد عن خشبة المسرح، فليس عليها سوى السرد، والحضّ، والفصاحة، وكل شخوص كوريني محاجون بارعون. أما الفرنسيون فتتلاشى في نظرهم هذه العيوب في بهاء الأسلوب وجلال الموضوعات. فإذا عن لنا في أي عمل فني أن نلتمس السمو، أو نبحث عن فكرة أو شعور يرفعنا فوق ذواتنا وزماننا. وجدنا هذا مردداً في كوريني. لقد كتب وكأنه يكتب للساسة والفلاسفة. ونظم أبياته وكأنه يلحن موسيقى، وتحت عبارات ما زالت ملازمة لذاكرة فرنسا. وامتزجت الآن الروح الكلاسيكية والأرستقراطية-روح العقل يكبح العاطفة، والشكل يسيطر على المضمون-بضبط النفس الرواقي، وبالشرف الأسباني، وبالذكاء الفرنسي، ليخرج من هذا كله مسرح بعيد عن المسرح الأليزابيثي بعد السماء عن الأرض، وهو مع ذلك، بفضل رسبين وموليير أيضاً، بعدله قيمة وتألقاً في تراث البشرية.
أكان انتصار المزاج الكلاسيكي ملحوظاً في الفن كما في الأدب. إنه يطالعنا في كل واجهة بناء فرنسي تقريباً في ذلك العصر. لقد رممت بعض الكنائس القومية ترميماً قوطياً، مثل كاتدرائية أورليان، ولكننا نجد في الأكثر كنائس قديمة- ككنائس سان جرفيز-إتيين-دومون-