تمثيلية «ميديه». هنا ظهرت صفاته الجوهرية لأول مرة-وهي قوة الفكر وسمو الحديث. وراح منذ الآن، مع بعض الاستثناءات، يملأ مسرحه برجال ونساء رفيعي المقام، ويضفي عليهم العواطف الرفيعة التي يعرب عنها في لغة جزلة وحجة قوية. وحين استمع وولر، الشاعر الإنجليزي المعاصر، إلى «ميديه» نادى به إماماً جديداً، «فغيره ينظم الشعر، ولكن كورني هو الوحيد الذي يستطيع أن يفكر (132)». -وأسمى ضروب الفن ما اشرّب بالفلسفة. ومن مسرحية الرومان واليونان الملحمية، ومن معلميه اليسوعيين، ومن تأملاته الحزينة الموحشة-هذه الأبيات الجليلة، السداسية التفاعيل، تزحف الجيش في أحلامه-بلغ كورني مستوى من الفكر والأسلوب لم يعهد قط في التمثيليات الفرنسية من قبل وندر أن عرف بعده.
يضاف إلى هذا أدب درامي آخر اجتذبه وشكله. إنه لم يستطع أن يستقي من المسرح الأليزابيثي غير القليل، لأن هذا المسرح أغفل القواعد الكلاسيكية إغفالاَ لا يناسب قالباً كلاسيكياً. ولكن أسبانيا كانت في هذا العصر مجنونة بالمسرح، تغدق التكريم على لوبي دي فيجا وتيرسو دي مولينا كالديرون دي لاباركا كأنهم الورثة الأكفاء الوحيدون لسوفوكليس وبوربيديس، وتيرينس وسينكا. وفي المسرحية الأسبانية وجد كوريني موضوعاً درامياً بطبيعته-قانون الشرف أو العرض، الذي فرض الموت جزاء لكل إهانة أو إغواء. فتعلم الأسبانية، وقرأ «مغارمات السيد» بجيين دي كاسترو (1599؟)، واستعار الحبكة دون اعتذار أكثر من اعتذارات شكسبير، وكتب أشهر تمثيلية في الأدب الفرنسي (?).