يجد عند واحد منهم جوابها. فذهب يدور على الفقهاء والمحدّثين يسألهم، فلم يفُزْ منهم بطائل. فيئس منهم وهمّ بالخروج من المسجد، والفقيرُ ينظر إليه ويعجب من حاله وحالهم، وعزّ عليه أن ينصرف آيِساً فأشار إليه، فلما جاءه قال: اعرض عليّ مسألتك.
فضحك القروي وصاح: انظروا - يا قوم - إلى هذا المجنون؛ يزعم أنه يجيبني على مسألتي وقد أعجزت المفتين والفقهاء وأصحاب الحديث!
فأقبل الناس على الصوت وطفقوا يتكلمون، فقال قائل: دعه فإنه مجنون. وقائل: لا عليك أن تسأله، فلعل عنده علماً. وقائل: سله واحمل جوابه إلى المفتين، فانظر ما هم قائلون.
ثم سكتوا، وسكت كل من في المسجد، وانقطعت أصوات القرّاء والمدرسين والذاكرين ولم يبقَ فيهم متكلم، لأنها قد تكلمت فوق رؤوسهم النبوة، وسمعوا «الله أكبر» تدوّي في نواحي المسجد، تهبط عليهم من المآذن كأنما هي هابطة من السماء، فيها روعة الوحي وجلال الدين وجمال الإيمان، فتقوضت المجالس، ورُصّت الصفوف، وتحاذت المناكب، وقال الإمام: «الله أكبر»، فماتت الدنيا في نفوسهم وامّحت منها الشهوات وطُمست فيها الميول، لأنه مهما يكن من كبير فـ ... الله أكبر.
* * *
فلما قُضيت الصلاة عادوا إلى القروي فقالوا له: اذهب