قصص من التاريخ (صفحة 272)

كما يتبع. ومن كان همه اللذة من حل وحرمة، ومن كان لا يبالي ما اجترح من السيئات، لم يكن فيه إلا الشيطان، وكان العقرب والخنفساء خيراً منه، لأن مصيرهما إلى التراب ومصيره إلى النار. ومن كان همه أن يعيش في هذه الحياة كما يعيش في مدرسته، يتلقى فيها أساليب الكمال ليعيش من بعده في أساليب الكمال، فهو الإنسان حقاً.

ومن عجيب صنع الله في الإنسان أنه وضع في نفسه المَلَك، فلا يحتاج مهما كان ضالاً فاسقاً ظالماً إلا تنبيه الملك في نفسه ليطرد الشيطان ويقود الحيوان، فلست أنت الذي يعظه، ولكنه يعظ حينئذ نفسه. وهذا معنى قولهم:

لا تنتهي الأنفسُ عن غيّها ... ما لم يكن منها لها زاجِرُ

وذلك ثوابه في الجنة، والجنة لا تكون بالتشهّي والأمل، ولكن بالجِد والعمل. ولو أن تلميذاً أمضى عامه في لعبه ولهوه ثم تمنى النجاح، أكان ينجح؟ ولو أن صياداً ألقى بندقيته فلم يضرب بها، ورمى شبكته فلم ينصبها، ثم حلم بالقنيصة، أكانت أحلامه تعدو في إثر الغزال حتى تأتي به مكتوفاً، أم كانت السمكة تأتيه وحدها وعلى ظهرها الملح والفلفل تقول له: كلني؟

قال الرجل: ولكن القلوب قست يا سيدي الشيخ، فما علاجها؟

قال: إن الشيطان لا يأتي إلا من إشعاره الكمال، فأشعر نفسك النقص وذكّرها في الصحة المرض وفي الحياة الموت. ولقد أدركنا من مشايخنا مَن إذا قسا قلبه أمَّ المستشفى أو قصد المقبرة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015