فقطعت أسبابها من الأرض، ثم وصلتها بالسماء فشعرت كأنها مؤيدة بقوة إلهية اصطفتها من دون الناس لتعلّم - وهي الفتاة الغريضة الناعمة - هؤلاء الرجال الرجولةَ كيف تكون!
ولم تعلم من أين تبدأ العمل، وجعلت تفكر وهي تمرر يدها على شعرها المنسدل حولها، المتموج كالحرير، يفتن العباد لو أرادت به الفتنة ويأسر قلوب الفرسان، فسطعت لها الفكرة كما يسطع البرق خلال الظلام: إن هذا هو سلاحها، لتشدّنّ الرجال بهذا الشعر الناعم، ثم لتقودنّهم من أعناقهم إلى المعمعة الحمراء. لتجعلن من ضعفه قوة تأكل القوي.
وذهبت فنادت جارات لها كنّ يقتدين بها ويسمعن منها، فذكرت لهن مصابها في إخوتها، فحسبنها قد دعتهن ليواسينها ويخففن عنها، ولكنها مضت في حديثها مُصَعِّدة حتى سَمَتْ إلى فلك التضحية ونسيان النفس، ورفعتهن معها. حتى إذا استوثقت منهن قالت: إننا لم نخلق رجالاً نحمل السيوف ونقود الخميس، ولكنّا إذا جَبُنَ الرجال لم نعجز عن عمل، وهذا شعري (أثمن ما أملك) أنزل عنه، أجعله قيداً لفرس تقاتل في سبيل الله، لعلي أحرك هؤلاء الأموات.
وأخذت المقص فجزت شعرها وصنع الفتيات صنعها، ثم جلسن يضفرنه لجماً وقيوداً لخيل المعركة العابسة، لا يضفرنه ليوم الزفاف ولا لليلة العرس.
* * *