كان ذلك في يوم من أيام سنة 607 هـ، وكانت دمشق تصارع دهرها الغاشم الحَرون الذي رمى بلاد الشام بقاصمة الأصلاب، الصليبيين، فنزلوا على مدنه نزول البلاء، وفشت أجنادهم في نابلس وعكا وبلاد أُخَر فُشُوّ الطاعون. وكان صبرها يزيد كلما زاد الكرب، وحزمها ينمو كلما نمت المصيبة، شأنَ دمشق في كل عصر.
وكان طوفان المغيرين يمتد ويتسع؛ يحمل الموت والدمار، يأتي على البلاد والعباد، يجتث الحضارة من أصولها ... وأهل الشام ينهضون له فلا يملكون له دفعاً، حتى كادت الديار تخلو من شبابها ولا يبقى فيها إلا شيخ أو امرأة أو صبي، أو قَعَدي نسي واجب الجهاد!
وقد ذهب - فيمن ذهب - إخوة «ميسون» الأربعة، وبقيت من بعدهم وحيدة في دارها لا يؤنسها إلا شبابها وجمالها وذكرى إخوتها.
* * *