فأحنى رأسه، ورأى الناس في عيني البطل دمعة تترقرق، وفتح فمه فحبس الناس أنفاسهم.
فإذا هو يعلن النبأ المهول، نبأ تسليم أبي عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة!
نبأ بدا صغيراً كما تبدو المصائب، فلم يدر الناس لهول المفاجأة ما أثر هذا وما خطره، ولكن القرون الآتيات درت ما أثر هذا النبأ ولم تفرغ - إلى اليوم - من وصف فواجعه وأهواله.
ونظر موسى فإذا الصرح الذي أنفق في إقامته الدهر الأطول قد انهار في دقائق، وإذا هذه الديار التي سُقيت بدم الجدود وامتزجت برفاتهم وقامت على أيديهم يسلمها جبان مأفون للعدو المغير، وإذا السادة صاروا خَوَلاً والملوك عبيداً ... وجعل يفكر في هذه الفئة التي حوله، في أكرم زهرات غرناطة وأزكاها، هل يُجنّبها الموت الحاصد ويردها إلى حيث وجدت الراحة والدعة، أم يخلصها من حياة كلها ذل وألم ويسوقها إلى موت شريف؟
وإنه لفي تفكيره وإذا بأطفال غرناطة ينشدون ذلك النشيد الذي لا يُعرف من نظمه لهم، فيصغي الناس ويستمع الفلك الدائر:
لا تبكي يا أماه؛ إنّا ذاهبون إلى الجنة.
إن أرض غرناطة لن تضيق عن لحد طفل صغير مات في سبيل الله.