كبش القوم وفارسهم، سير ابن أبي بكر، وجمع له فيه من قبائل البربر جناً مقاتلة كأنهم - من طول ما ألفوا الخيل - قد وُلدوا على ظهورها، بعدة لهم ضخمة وعديد، فسدوا مطلع الشمس، وحطوا على البلد حط الجراد وطوقوه تطويق القيد، وانضم إليهم فرسان الثغور، ثم أطبقوا على ابن عباد كالسيل الأتِيّ الدفّاع.
أثار المعتمد في نفوس جنده حميتهم وكبرياءهم، وأنشدهم أبرع أناشيد البطولة، ولون لهم الموت بأجمل الألوان، وعرض عليهم تحاسين المجد وتهاويله، فثبتوا وجاؤوا من فنون القتال بأعجبها وأشرفها. وناضل الملك البطل حتى لم يبقَ مناضل، وضارب حتى تحطمت في يده السيوف، ودافع حتى استنفد آخر نقطة من القوة البشرية التي أودعها الله فيه، ثم سقط مغسلاً بدماء جراحه، وتحطم السد فانطلق السيل ... ونُفضت قصور الملك عن غيدها وكنوزها فعادت أطلالاً ... وهوى الصرح الذي أقامه من النبل والحزم والكرم الغرُّ البهاليل (?) بنو عباد.
* * *
إن البطل الحق لا يستهويه الظفر حتى يستخفه، ولا تُعِزّه (?) الهزيمة حتى تسحقه، بل يتلقاها بعزم وجلد وفؤاد ثابت، وكذلك فعل المعتمد؛ فلم تذل نفسه، ولم يضرع، ولم يتهافت. بل تلقى قضاء الله تلقي المؤمن، وكتب إلى ولديه يستنزلهما من حصنيهما