مثلاً، وعصر ابن أبي دؤاد، وعصر أحمد، وعصر الغزالي، وعصر ابن تيمية وابن القيم.
ولست أدري إلى متى يبقى تاريخنا عبداً واقفاً على أبواب الملوك، لا ينظر إلا إليهم ولا يهتم إلا بهم، ولماذا لا يصير حراً يخالط الشعب ويسجل مناقبه ويصف أخلاقه؟
ومن منا يعرف ماذا كان يأكل الناس في عهد الرشيد مثلاً أو الواثق، وماذا كانوا يلبسون، وماذا كانوا يصنعون في أفراحهم وأتراحهم وجِدهم ولهوهم، وكيف كانت حياة التاجر والصانع والجندي والزارع؟
إننا نستطيع أن نقف على ذلك إذا بحثنا عنه وتصيدنا أخباره تصيداً، من كتب الأدب والأخبار، ككتب القاضي التنوخي. ولكن ذلك يحتاج إلى جد وكد، ونحن أهل كسل: نأكل ما وجدنا ولو كان شر الطعام، ولا نكلف أنفسنا عناء الإعداد والطبخ.
ثم إن تاريخ ملوكنا وإن كان أشرف بمئة مرة من تواريخ أمم الغرب، وإن لم يكن يرفع الرأس، وإذا استثنينا نفراً من الحكام كالخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ونور الدين وصلاح الدين وأورنك زيب وأمثالهم (على ندرة أمثالهم) لم نكد نجد إلا حاكماً مستبداً إذا وزنت سيرته بميزان الإسلام لم ترجح في الميزان.
ثم إن رواية المؤرخين رواية عامية، والرواية العلمية هي رواية المحدثين، لذلك كان المرجع الأول لتاريخنا ما رواه المحدثون، وكان الجاهل بمصطلحهم وعلمهم لا يعد مؤرخاً. وكتب التاريخ