قصص من التاريخ (صفحة 101)

وأنه دخل سمرقند غدراً من غير دعوة إلى الإسلام ولا منابذة ولا إعلان. فقال الخليفة: والله ما أمرَنا نبيُّنا بالظلم ولا أجازه لنا، وإن الله أوجب علينا العدل في المسلمين وغير المسلمين. يا غلام ... قلماً وقرطاساً.

فجاءه الغلام بورقة قدر أصبعين، فكتب عليها أسطراً وختمها وقال له: خذها إلى عامل البلد!

* * *

ورجع يطوي هذه الشقّة مرة ثانية، وكلما وصل إلى بلد دخل المسجد فوقف في الصف، كتفه إلى كتف أخ له في الإسلام ووجهته وجهتُه، وفي قلبه إيمانه وعلى لسانه تسبيحاته وتكبيراته ... أحس أنه عضو في هذه الجمعية الكبرى، وأدرك عظمة هذا الدين وحلاوته إذ يؤم المصلين واحد منهم، فلا قساوسة ولا كهّان، ويصلون في كل أرض، فلا معابد ولا تماثيل، ويقفون جميعاً صفاً واحداً، فلا كبير ولا صغير ولا مأمور ولا أمير. وشعر بعظم هذه الدائرة التي تطيف من حول الكعبة تمر على السهل والحزن، والعامر والغامر، والمدينة والقرية، يقوم فيها عبادٌ لله هم رهبان في الليل وجِنٌّ في النهار، خاشعة قلوبهم، وأبصارهم وجوارحهم، يقفون أمام رب العالمين فلا يبالون الدنيا كلها، بلذائذها وآلامها وخيرها وشرها.

ولم تثقل عليه هذه المرة سعة دنيا الإسلام لأنها صارت دنياه، ولم يجد لهذه السفرة مشقة ولا تعباً لأنه كان كلما انقضت الصلاة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015