وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ حشاد، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْأُسْوَانِيُّ، يَعْنِي مُحَمَّدَ بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي يَعْقُوب الْعَمى، حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ، قَالَ مَرَّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بِعُصْفُورٍ يَدُورُ حَوْلَ عُصْفُورَةٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: وَمَا يَقُولُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: يَخْطُبُهَا إِلَى نَفْسِهِ وَيَقُولُ زَوِّجِينِي أُسْكِنْكِ أَيَّ غُرَفِ دِمَشْقَ شِئْتِ! قَالَ
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِأَنَّ غُرَفَ دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ بِالصَّخْرِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْكُنَهَا أَحَدٌ وَلَكِنْ كَلُّ خَاطِبٍ كَذَّابٌ! [رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ زَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ، عَنِ الْبَيْهَقِيِّ بِهِ (?) ] وَكَذَلِكَ مَا عَدَاهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ صُنُوفِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا من الْآيَات: " وأوتينا من كل شئ " أَيْ مِنْ كُلِّ مَا يَحْتَاجُ الْمَلِكُ إِلَيْهِ مِنَ الْعِدَدِ وَالْآلَاتِ وَالْجُنُودِ وَالْجُيُوشِ وَالْجَمَاعَاتِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ وَالشَّيَاطِينِ السَّارِحَاتِ وَالْعُلُومِ وَالْفُهُومِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ ضَمَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ النَّاطِقَاتِ وَالصَّامِتَاتِ ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبين " أَي من بارئ البريات وخالق الارض وَالسَّمَوَات كَمَا قَالَ تَعَالَى: " وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ".